للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتر رمضان، تركوا التسبيح المأثور، وأخذوا يتناوبون مقاطيع منظومة في التأسف على انسلاخ رمضان، فمتى فرغ أحدهم من نشيد مقطوعة بصوته الجهوري، أخذ رفقاؤه بمقطوعة دورية، باذلين قصارى جهدهم في الصيحة والصراخ بضجيج يصم الآذان، ويسمع الصم، ويساعدهم على ذلك جمهور المصلين.

ولعلم الناس بأن تلك الليالي هي ليالي الوداع، ترى الناس في أطراف المساجد، وعلى سدده (١) وأبوابه، وداخل صحنه، النساء والرجال والشباب والولدان، بحالة تقشعر لقبحها الأبدان، وقد اشتملت هذه البدعة على عدة منكرات منها.

رفع الأصوات بالمسجد، وهو مكروه كراهة شديدة.

التغني والتطرب في بيوت الله، التي لم تشيد إلا للذكر والعبادة.

كون هذه البدعة مجبلة للنساء والأولاد والرعاع، الذين لا يحضرون إلا بعد انقضاء الصلاة للتفرج والسماع.

اختلاط النساء بالرجال.

هتك حرمة المسجد، لاتساخه وتبذله بهؤلاء المتفرجين، وكثرة الضوضاء والصياح من أطرافه، إلى غير ذلك، مما لو رآه السلف الصالح لضربوا على أيدي مبتدعيه - وهذا هو الواجب على كل قادر على ذلك - وقاوموا بكل قواهم من أحدث فيه، نسأل الله تعالى العون على تغيير هذا الحال بمنه وكرمه.

ومن الأمور المحدثة المتعلقة بوداع رمضان، ما يفعله بعض الخطباء في آخر جمعة من رمضان، من ندب فراقه كل عام، والحزن على مضيه، وقوله: لا أوحش الله منك يا شهر كذا وكذا. ويكرر هذه الوحشيات مسجعات مرات عديدة، ومن ذلك قوله: لا أوحش الله منك يا شهر المصابيح، لا أوحش الله منك يا شهر المفاتيح. فتأمل هدنا الله وإياك لما آلت إليه الخطب، لاسيما خطبة آخر هذا الشهر الجليل، الناس فيه بحاجة ماسة إلى آداب يتعلمونها لما يستقبلهم من صدقة الفطر، ومواساة الفقراء، والاستمرار على ما ينتجه الصوم من الأمور الفاضلة، والآثار الحميدة، وتجنب البدع وغير ذلك مما يقتضيه المقام (٢) .


(١) - السدة: كالظلة على الباب، لتقي الباب عن المطر، وقيل: هي الباب نفسه، وقيل: هي الساحة بين يديه. يراجع: لسان العرب (٣/٢٠٩) ، مادة (سدد) .
(٢) - يراجع: إصلاح المساجد ص (١٤٥، ١٤٦) . السنن والمبتدعات ص (١٦٥) .

<<  <   >  >>