للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الهجرة إلى مصر ما اتخذ صورة عنيفة من الغزو والإغارة " وقد يكون مما شجع عليها ضعف حكام مصر ضعفا أغرى سكان البادية بهم. ولكن العامل الأساسي في حدوث مثل هذه الهجرات الكبيرة إنما كان مرجعه الرئيسي إلى سوء الحالة الاقتصادية في المناطق المجدبة، مما أدى احيانا - كما كان الحال في غارة الهكسوس - إلى هجرة العائلات بجميع أفرادها، تصطحب معها كل ما تملكه من معدات وحيوان مما يدل دلالة صريحة على أن القصد من تلك الغارات إنما كان التماس مناطق تتوافر فيها وسائل المعيشة لتلك العائلات التي اضطرت إلى أن تترك مناطقها الأصلية حين عجزت عن أن تجد القوت فيها ". ولكن هل كان الهكسوس عرباً أو ساميين؟ لقد اعتمد جرجي زيدان، منذ اكثر من نصف قرن، على بعض أدلة في إثبات عروبة الهكسوس غير أن تطور الدراسات لم يؤيد نظرية جرجي زيدان تأييداً تاماً. فإن معنى اللفظ هكسوس - ملوك الرعاة - لا يدل على أن المقصود بهم شعب سامي أو جنس سامي. ومن الجائز أن يكونوا خليطاً من سلالات سامية وغير سامية اندفعت من مكان أو أمكنة بعيدة وتقدمت بجموعها المختلطة للإغارة على مصر السفلى، فعبرت طريق سيناء، لكونه الطريق الميسور الوحيد للعبور في هذه المنطقة. ويبدو أن الأبحاث الحديثة تميل إلى الربط بين دخول هؤلاء الرعاة إلى مصر، وبين هجرة قبائل مغولية من قلب آسيا نحو الغرب حيث تتدافعت الشعوب التي كانت تسكن هضاب إيران وبلاد الرافدين ونواحي سوريا غربا فغربا، مما أدى إلى الضغط على رعاة بوادي الشام، فنزلوا شبه جزيرة سيناء وصحراء مصر الشرقية وأرض الدلتا، وكانت مصر إذ ذاك في فترة ضعف داخلي في نهاية أيام الأسرة الثالثة عشرة ومما يدل على أن هؤلاء الرعاة قد تأثروا بالهجرات المغولية، أن ما استخدمه الهكسوس من الخيل والعجلات كان من مؤثرات مغولية. فمن الجائز أن يكون الهكسوس عناصر مختلطة سامية وغير سامية، وهذا لا ينفي أن يظهر في لغة هؤلاء بعض آثار سامية، فهذه الآثار اللغوية، إن ثبتت، فإنما تدل على أن جماعة من هؤلاء الرعاة، كانوا يتكلمون لغة سامية، أو لغة متأثرة بها. ومهما يكن فإن الهكسوس قد حكموا مصر فترة تزيد على قرن ونصف، إلا أن نفوذهم لم يتغلغل

<<  <   >  >>