للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجها وأظرفن عشرة.

فلما رآها خالد بن يحيى البرمكي شغف بها واشتراها، وكان الرشيد يسير إلى منزله ويسمعها حتى ألفها واشتد بها فكان أكثر مسيرة إلى مولاها ويقيم عندها ويبرها ويفرط حتى إنه وهبها في ليلة عقدا قيمته ثلاثون ألف دينار، وعلمت زبيدة بحاله فشكته على أهله وعمومته فعاتبوه على ذلك فقال: مال ي في الجارية أرب في نفسها وإنما أربي في غنائها، فاسمعوها فإن استحقت أن يؤلف غناؤها وإلا فقولوا ما شئتم.

فأقاموا عنده ونقلهم إلى يحيى فلما سمعوها عذروه وعادوا إلى زبيدة، وأشاروا عليها أن لا تلح في أمرها فقبلت ذلك وأهدت إلى الرشيد عشر جوار، وكان اعتماد "دنانير" في غنائها على ما أخذته من بذل المغنية، وهي التي خرجتها وأخذت أيضا من الأكابر الذين أخذت البذل عنهم مثل: فليح وإبراهيم الموصلي وابن جامع وإسحاق ونظارئهم. ولها كاب مجرد في الأغاني مشهور، وكانت تناظر ابن جامع وأمثاله فتغلبهم.

وقيل: إنها عملت يوما صوتا أعجب به مولاها يحيى جدا، وأتى إلى إبراهيم الموصلي وطلب إليه أن يسمعه منها لينظر هل هو كما وقع في نفسه. فأتى إبراهيم وغنت "دنانير" الصوت فطرب له إبراهيم واستعاده منها ثلاث مرات لعله يجد موضوعا فيه قابلا للإصلاح يصلحه فينسب غليه فلم يجد.

وقال بعضهم: إنها كانت تغني غناء إبراهيم فتحكيه حتى لا يكون بينهما فرق، وكان إبراهيم يقول ليحيى: متى فقدتني و"دنانير" باقية فما فقدتني؟ وقامت "دنانير" عند البرامكة دهرا طويلا لم تخرج من عندهم ولا كفرت نعمة مولاها. وشغف بها عقيل مولى صالح بن الرشيد فخطبها، فردته فاستشفع مولاها صالحا وابن محرز وغيرهما فلم تحبه، فكتب إليها:

يا دنانير قد تنكر عقلي ... وتحيرت بين وعد مطل

شغفي شافعي إليك وإلا ... فاقتليني إن كنت تهوين قتلي

ما أحب الحياة يا أخت إن لم ... يجمع الله عاجلا بك شملي

فكان كالكاتب على صفحات الماء، ومات ولم يجد لعلته من دواء، وأقامت على الوفاء لمولاها وأصابتها علة الجوع الكلبي وهي عند البرامكة فكانت لا تصبر عن الأكل ساعة واحدة فكأني يحيى يتصدق عنها في كل يوم من شهر رمضان بألف دينار لا، ها كانت لا تصومه.

وحكي أن الرشيد دعا بها بعد نكبة البرامكة وأمرها أن تغني فقالت: يا أمير المؤمنين، آليت أن لا أغني بعد سيدي أبدا. فغضب وأمر بصفعها، فصفعت، وأقيمت على رجليها وأعطيت العود فأخذته وهي تبكي أحر بكاء وغنت صوتا يفتت الجلمود حزنا فرق لها الرشيد وأمر بإطلاقها، فانصرفت.

[دهيا بانة ثابت بن تيفان]

وقومها جرادة من زنانة، كانت تلقب الكاهنة ملكة البربر في جبل "أوراس". قال ابن خلدون: وكان لها بنون ثلاثة ورثوا رياسة قومهم عن سلفهم وربوا في حجرها، فاستبدت عليهم وعلى قومهم بهم، وربما كان لها من المهانة والمعرفة بغيب أحوالهم وعواقب أمورهم فانتهت إليها رياستهم، فملكت ٣٥ سنة وعاشت ١٢٧ سنة، وكان قتل عقبة بن نافع بإغرائها وكان المسلمون يعرفون ذلك منها.

قيل: وكان مذهبها ومذهب قومها وقبائل تفوسة اليهودية وكانت تدعى خطاب الشياطين فلما انقضى أمر البربر وقتل "كسيلة" رئيس "أوراس" عندما غزاهم العرب انضم برابرة "أوراس" ومن جاورهم إلى "دهيا" هذه لما كان لها من السيادة والسلطة والدهاء، فلما غزا أفريقيا حسان بن النعمان الغساني من قبل عبد الملك بن مروان استولى على قيروان و"قرطجنة"

<<  <   >  >>