للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهم لعلهم ينتهون صبرا, يا معاشر المهاجرين والأنصار قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم فكأني بكم غدا وقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة فرت من قسورة لا تدري أيا يسلك بها من فجاج الأرض باعوا الآخرة بالدنيا, واشتروا الضلالة بالهدى وعما قليل ليصبحن نادمين حين تحل بهم الندامة فيطلبون الإقالة ولات حين مناص إن من ضل والله عن الحق وقع في الباطل, ألا إن أولياء الله استصغروا عمر الدنيا فرفضوها واستطابوا الآخرة فسعوا لها, فالله الله أيها الناس قبل أن تبطل الحقوق, وتعطل الحدود, وتقوى كلمة الشيطان فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره وأبي سبطيه خلق من طينته وترفع من نبعته وجعله باب دينه, وأبان ببغضه المنافقين, وها هو ذا مفلق الهام ومكسر الأصنام صلى والناس مشركون, وأطاع والناس كارهون فلم يزل في ذلك حتى قتل مبارزيه وأفنى أهل أحد وهزم الأحزاب وقتل الله به أهل خبير وفرق به جمع أهوائهم فيا لها من وقائع زرعت في القلوب نفاقا, وردة, وشقاقا, وزادت المؤمنين إيمانا. قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله.

فقال معاوية: يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي, ولو قتلتك ما حرجت في ذلك. قالت: والله ما يسوءني أن يجري قتلي على يد من يسعدني الله بشقائه. قال: هيهات, يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان رحمه الله؟ قالت: وما عساني أن أقول في عثمان, استخلفه الناس وهم به راضون, وقتلوه وهم له كارهون. قال معاوية: يا أم الخير, هذا ثناؤك الذي تثنين؟ قالت: لكن والله يشهد وكفى بالله شهيدا ما أردت بعثمان نقصا, ولكن كان سابقا إلى الخير وإنه لرفيع الدرجة غدا. قال: وما تقولين في الزبير؟ قالت: وما أقول في ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وأنا أسألك بحق الله يا معاوية فإن قريشا تحدثت أنك أحلمها أن تعافيني من هذه المسائل وتسألني عما شئت من غيرها قال: نعم ونعمة عين قد عفيتك منها.

ثم أمر لها بجائزة رفيعة وردها مكرمة إلى الكوفة وبقيت في عز إلى أن توفاها الله.

[أم سلمة زوجة السفاح]

هي ابنة يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكانت ذات أدب وجمال ومال تزوج بها عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك فهلك عنها, ثم كانت عند هاشم فهلك عنها, وسبب زواجها بالسفاح هو أنها بينما كانت ذات يوم جالسة في منزلها إذ مر بها أبو العباس السفاح وكان جميلا وسيما فسألت عنه, فنسب لها, فأرسلت له مولاة لها تعرض عليه أن يتزوجها. وقالت لها: قولي له هذه سبعمائة دينار أوجه بها إليك وكان معها مال عظيم وجوهر وحشم فأتته المولاة فعرضت عليه ذلك فقال: أنا مملق لا مال عندي, فدفعت إليه المال فأنعم لها وأقبل إلى أخيها فسأله التزويج بها فزوجه إياها فأصدقها خمسمائة دينار وأهدى لها مائة دينار ودخل عليها من ليلته وإذا هي على منصة فصعد عليها فإذا كل عضو منها مكلل بالجوهر فلم يصل إليها فدفعت بعض الجواري فنزلت وغيرت لبسها ولبست ثيابا مصيفة وفرشت له فرشا على الأرض دون ذلك فلم يصل إليها فقالت: لا يغرك هذا كذلك كان غيرك يصيبه مثل ما أصابك فلم تزل به حتى وصل إليها من ليلته, وحظيت عنده وحلف أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى فولدت له محمد وريطة, وغلبت على أمره غلبة شديدة حتى إنه كان لا يقطع أمرا إلا بمشورتها حتى آلت الخلافة إليه فلم يكن يدنو من غيرها لا حرة ولا أمة, ووفى لها بما حلف أن يغيرها فبينما كان ذات يوم في خلافته إذ خلا به خالد بن صفوان فقال: "يا أمير المؤمنين, إني فكرت في أمرك وسعة ملكك وقد ملكت نفسك امرأة واحدة فإن مرضت مرضت, وإن غابت غبت, وحرمت نفسك التلذذ واستطراف الجواري ومعرفة أخبارهن وحالاتهن والتمتع بما تشتهي

<<  <   >  >>