للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه دخل خيمته حينئذٍ وأمر حرسه أن لا أحد يدخل عليه, فجاءت كاترينا ودخلت عليه بالرغم عن أمره.

فلما رآها لم يتضرر من دخولها لاحتياجه إلى سديد رأيها فأشارت عليه أنه يصالح العثمانيين ويرد لهم البلاد التي أخذها منهم وقالت: إنها تتكفل بإرضاء بلطجي محمد قائد الجيش العثماني فسر منها وفوض إليها تدبير الأمر, فاختارت ضابطاً حكيماً وأرسلته إلى عسكر العثمانيين بهدية سنية من الجواهر الغراء والنقود فعقدت شروط الصلح وأمضاها الفريقان, وقد ارتاب كثيرون من المتأخرين في صحة هذا الخبر وقالوا: إنه لا صحة لما يروى من مداخلة كاترينا في عقد الصلح ومهما يكن من الأمر فلا شبهة في أن الإمبراطور نفسه كان يحسب لها فضلاً في نجاته من الجنود العثمانية هو وجنوده وبعد ثلاث سنوات, ولدت له ابنة ففرح بها فرحاً عظيماً وصنع رتبة القديسة كاترينا إكراماً لزوجته, وجعل لها عيداً كل سنة تذكاراً لها, واتفق أنه تغلب قبيل ذلك على الأسطول الأسوجي, وأسر أميره فأتى بالأسرى في هذا العيد ودخل بهم مدينة بطرس برج باحتفال عظيم.

ثم سافر في ممالك أوروبا لينظر في سياستها ويسبر غور رجالها وأخذ زوجته معه فولدت في أثناء الطريق ولداً لم يعش إلا يوماً واحداً, وكان هو قد سبقها قليلاً فأسرعت إليه وهي نفساء لكي لا يمل من انتظارها, وهذا دليل على أن رفاهية البلاط الكلوكي لم تغير من طباعها ولا أضعفت من همتها, وكانت تتفقد معه الأماكن التي زارها في سياحته الأولى حينما زار أوروبا لكي يتعلم صنائع أهاليها وفنونهم وسنة ١٧٢٣ م ألبسها التاج وأوصى لها بالملك من بعده ويقال: إنه سار معها إلى الكنيسة ماشياً بصفة قائد لفرقة جددها سماها "شفاليية" الإمبراطورة ووضع التاج على رأسها بيده وأمر بأن يقرأ الإعلان الآتي الذي أنشأه قبل ذلك وهو من حضرة الإمبراطور المتولى على جميع الدولة الروسية إلى جميع فئات القسيسين والضباط الملكيين والعسكريين والأهليين عموماً الموصوفين بالأمانة لا يخفى على كل منهم العادة المستمرة الجارية في الممالك المسيحية التي بمقتضاها يتوج الملوك زوجاتهم كما هو جار الآن.

وكما فعل الملوك المسيحيون الشرقيون في الأزمان الغابرة كالقيصر "بازلند" الذي توج زوجته "زنوبيا" القيصر "بوستنياتوس" الذي توج زوجته "لويسينا" والقيصر "هرقل" توج زوجته "مرتينا", والإمبراطور "ليون" الفيلسوف الذي توج زوجته "ماريا", وكذا جماعة غيرهم من القياصرة قد وضعوا التاج الإمبراطوري على رؤوس نسائهم نسائهم ولا محل لذكرهم هنا جميعهم.

ومن المعلوم أننا طالما خاطرنا بأنفسنا واقتحمنا الشدائد والأهوال مدة الحرب الأخيرة التي مكثت إحدى وعشرين سنة متوالية لحفظ وطننا وقد أنهيت هذه الحروب بعون الله بالشرف الكامل, وبالصلح الذي لم يسبق أنه وقع مثله لدولة روسيا ولم تحز قط من الفخار ما حازته بهذه الحروب, وحيث إن زوجتنا الإمبراطورة كاترينا قد ساعدتنا على الخلاص من ربقة هذه الأخطار في عدة وقائع ولاسيما التي حصلت بينا وبين الجنود العثمانية على نهر بروت حيث تضعضع حال جيوشنا وآل أمرها إلى ٢٢ ألف مقاتل وكانت العساكر العثمانية ٢٧٠ ألف وأظهرت في تلك الأزمنة غيرة عظيمة وشجاعة فائقة كما هو معلوم عند جيوشنا فبالنظر إلى ذلك وبمقتصى التصرف والنفوذ الموهوب لنا من الله تعالى يتم تتويجها في فصل الشتاء من هذه السنة بمدينة موسكو وقد أعلنا ذلك قبلاً لرعايانا المحبين الأمناء ومحبتنا الإمبراطورة لا تزال لهم بدون نقص ولا تغيير.

ثم ساء ظن الإمبراطور في أواخر سنة ١٧٢٤ م وهي السنة التي توجها فيها وأمر بقتل الرجل الذي

<<  <   >  >>