للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوفاة جعل ينظر إليها ويبكي, ثم قال لها: إني منشدك أبيات أسألك فيها عما تصنعين بعدي وأعزم عليك أن تصدقيني فقالت: قل فو الله لا أكذبك. فأنشد:

أخبري بالذي تريدين بعدي ... ما الذي تضمرين يا أم عقبه

تحفظين من بعد موتي لما قد ... كان مني من حسن خلق وصحبه

أم تريدين ذا جمال ومال ... وأنا في الترب رهن سجن وغربه

فأجابته:

قد سمعنا الذي تقول وما قد ... خفته يا خليل من أم عقبه

سوف أبكيك ما حييت شجوا ... ومراث أقولها وبندبه

فقال:

أنا والله واثق بك لكن ... ربما خفت منك غدر النساء

بعد موت الأزواج يا خير من عو ... شر فارعي حقي بحسن وفاء

إنني قد رجوت أن تحفظي العه ... د فكوني إن مت عند رجائي

فلما مات توافد عليها الخطاب فقالت:

سأحفظ غسانا على بعد داره ... وأرعاه حتى نلتقي يوم نحشر

وإني لفي شغل عن الناس كلهم ... فكفوا فما مثلي من الناس يغدر

سأبكي عليه ما حييت بعبرة ... تجري على الخدين مني فتكثر

فلما طالت الأيام وكثر إلحاح الناس أجابت الخاطب فلما كانت الليلة التي زفت فيها جاءها غسان في النوم فأنشد:

غدرت ولم ترعى لبعلك حرمة ... ولم تعرفي حقا ولم تحفظي عهدا

ولم تصبيري حولا حفاظا لصاحب ... حلفت له يوما ولم تنجزي وعدا

غدرت به لما ثوى في ضريحه ... كذلك ينسى كل من سكن اللحدا

فانتبهت مرعوبة كأنما كان معها فقالت النساء لها: ما دهاك؟ قالت: ما ترك غسان لي في الحياة أربا ولا في السرور رغبة أتاني في المنام فأنشدني هذه الأبيات, ثم جعلت ترددها وتبكي فشاغلنها بالحديث فلما غفلن عنها أخذت شفرة فذبحت نفسها ووفت لزوجها.

[أم عمران ابنة وقدان]

كانت من النساء المتحمسات في الجاهلية وكلامها يغلب عليها الهيجان بين العرب, قيل: إنها حينما قتل بعض رجال قومها قالت تحرضهم على أخذ ثأره وتوبخهم على تغافلهم عنه:

إن أنتم لم تطلبوا بأخيكم ... فذروا السلاح ووحشوا بالأبرق

وخذوا المكاحل والمجاسد والبسوا ... نقب النساء فبئس رهط المرهق

ألهاكم أن تطلبوا بأخيكم ... أكل الخزير ولعق أجرد أمحق

[أم قيس الضبية]

لها في ابن سعد زوجها مراث روى منها صاحب الحماسة قولها:

من للخصوم إذا الضجاج بهم ... بعد ابن سعد ومن للضمر القودومشهد قد كفيت الغائبين به

في مجمع من نواصي الناس مشهود

<<  <   >  >>