للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن عفان لأمه وقد نزلت فيها (يأيها الذين أمنوا إذا جاءكم المؤمنت مهجرت فامتحنوهن الله أعلم بإيمنهن) (الممتحنة: ١٠) إلى آخرها.

[أم كلثوم ابنة عبدود]

كانت أحسن نساء زمانها جمالا, وأوفرهن عقلا وكمالا. ذات أدب وفصاحة, وكياسة, وملاحة. ولها باع طويل في الشعر. ولما قتل أخوها يوم الخندق وكان قد خرج في نفر من القرشيين إلى المسلمين وقال لهم: من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب له: يا عمرو إنك آليت على نفسك أنه لا يدعوك أحد إلى ثلاث إلا أجبته وإني أدعوك إلى الإسلام. فقال: لا حاجة لي بذلك.

فقال: أدعوك إلى الانصراف فإن كان محمد صادقا تقربت عنده بذلك, وإن كان كاذبا فما عليك من كذبه شيء ويقع بيد غيرك. فقال: كيف تقول عني نساء قريش إن تركت النزال ورجعت. فقال له: إني أدعوك إلى النزال. فقال: هذه. ما كنت أظن أحدا من العرب يتجاسر أن يدعوني إليها, ولكن يا بن أخي فو الله ما أحب أن أقتلك. فقال له علي: لكنني أحب أن أقتلك فحمى عمرو عند ذلك واقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه, ثم أقبل على علي فتنازلا وتجولا فقتله علي ٥ للهجرة أو ٦٢٧ للميلاد وذلك في خبر طويل.

ولما نعي عمرو إلى أخته أم كلثوم سألت من قاتله فقيل لها علي بن أبي طالب فقالت لم يأت يومه على يد كفء كريم وأنشدت:

أسدان في ضيق المكر تجاولا ... وكلاهما كفؤ كريم باسل

فتخالسا سلب النفوس كلاهما ... وسط المجال مجالد ومقاتل

وكلاهما حسر القناع حفيظه ... لم يثنيه عن ذاك شغل شاغل

فاذهب علي فما ظفرت بمثله ... قول سديد ليس فيه تحامل

وأنشدت أيضا:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... لكنت أبكي عليه آخر الأبد

لكن قاتله من لا يعاب به ... من كان يدعى أبوه بيضة البلد

من هاشم في ذراها وهي صاعدة ... إلى السماء تميت الناس بالحسد

قوم أبى الله إلا أن يكون لهم ... مكارم الدين والدنيا بلا لدد

يا أم كلثوم ابكيه ولا تدعي ... بكاء معولة حرى على ولد

ولما بلغت أبياتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم علم وفور عقلها وأنها مائلة إلى الإسلام فدعاها إلى ذلك فلبت طلبه وكان ذلك يوم فتح مكة وبقيت إلى أن توفيت في حياته.

[أم موسى الهاشمية]

هي امرأة أديبة عاقلة حكيمة ذات مكر ودهاء وفطنة قد جعلها المقتدر كهرمانة داره سنة ٢٩٨ هجرية فكانت تؤدي الرسائل من المقتدر وأمه إلى الوزير, وكان لها كلمة نافذة وهي التي تسببت في عزل علي بن عيسى عن وزارة المقتدر سنة ٣٠٤ هجرية, وذلك أنها أرادت الدخول عليه لتتفق معه على ما يحتاج حرم الدار والحاشية من الكسوات والنفقات, فوصلت إليه وهو نائم فقال لها صاحبه: إنه نائم فلا أحد يوقظه فاجلسي في الدار ساعة حتى يستيقظ فغضبت من هذا وعادت, فاستيقظ علي بن عيسى في الحال وأرسل إليها حاجبه وولده يعتذر لها فلم تقبل ودخلت على المقتدر وتحرشت على الوزير عنده وعند أمه, فعزله وأعيد

<<  <   >  >>