للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال لها: يقول لك أبو محمد الحجاج كنت فبنت وهذه المائتا ألف درهم التي كانت لك قبله.

فقالت: اعلم يا ابن طاهر أنا كنا فما حمدنا, وبنا فما ندمنا وهذه المائتا ألف درهم هي لك بشارة بخلاصي من كلب ثقيف, ثم بعد ذلك بلغ عبد الملك بن مروان خبرها ووصف له جمالها فأرسل إليها يخطبها لنفسه فكتبت إليه تقول: بعد الثناء عليه اعلم يا أمير المؤمنين إني لا أجري العقد إلا بشرط فإن قلت: ما الشرط أقول أن يقود الحجاج محملي من المعرة إلى بلدك الذي أنت فيه ويكون ماشيا حافيا بحليته التي كان فيها أولا, فلما قرأ كتابها ضحك ضحكا شديدا.

وأرسل إلى الحجاج بذلك فأجاب ولم يخالف وامتثل الأمر وأرسل إلى هند يأمرها بالتجهيز وسار الحجاج في موكبه حتى وصل المعرة بلد هند فركبت هند في محمل وركب حولها جواريها وخدمها فترجل الحجاج ومشى حافيا, وأخذ بزمام البعير يقوده ويسير بها فأخذت هند تهزأ عليه وتضحك مع الهيفاء دايتها, ثم إنها قالت لدايتها اكشفي لي ستارة المحمل لنشم رائحة النسيم فكشفتها فوقع وجهها في وجهه فضحكت عليه, وأنشدت:

وما نبالي إذا أرواحنا سلمت ... بما فقدناه من مال ومن نشب

فالمال مكتسب والعز مرتجع ... إذا النفوس وقاها الله من عطب

فلما سمع ذلك منها الحجاج قال مجيبا لها:

فإن تضحكي يا هند يا رب ليلة ... تركتك فيها تسهرين نواحا

ولم تزل تلعب وتضحك على أن قربت من بلد الخليفة فرمت من يدها دينارا على الأرض.

وقال: يا جمال, سقط منا درهم فرده إلينا فنظر الحجاج إلى الأرض فلم ير إلا دينارا.

فقال: إنما هو دينار. فقالت: بل درهم. فقال: بل دينار. فقالت: الحمد لله إذ سقط منا درهم فعوضنا الله دينارا فخجل وسكت ولم يرد جوابا, ودخلت على عبد الملك بن مروان فأعجب بها وبجمالها وسفه رأي الحجاج بتخليه عنها ونالت عنده حظوة زائدة.

[هند جارية محمد بن عبد الله بن مسلم الشاطبي]

كانت أديبة شاعرة كتب إليها أبو عامر بن سعيد يدعوها للحضور عنده بعودها وكانت تحسن ضرب العود بهذين البيتين:

يا هند هل لك في زيارة فتية ... نبذوا المحارم غير شرب السلسل

سمعوا البلابل قد شدت فتذكروا ... نغمات عودك في الثقيل الأول

فكتبت إليه في ظهر رقعته تقول:

يا سيدا حاز العلا عن سادة ... شم الأنوف من الطراز الأول

حسبي من الإسراع نحوك أنني ... كنت الجواب مع الرسول المقبل

سارت إليه كما ودعته وأتموا ليلة قلما يسمح بمثلها الدهر حتى عاجلهم نور الفجر فتفرقوا وكل منهما يسخط

<<  <   >  >>