للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأرادني لنكاح نجل طاهر ... حسن الخلائق من بني الأنجاد

ومضى غليك يسوم رأيك في الرضا ... ولأنت تنظر في طريق رشادي

فعساك يا أبتي تعرفني به ... إن كان ممن يرتجى لوداد

وعسى رميكية الملوك بفضلها ... تدعو لنا باليمن والإسعاد

فلما وصل شعرها لأبيها وهو بأغمات واقع في شراك الكروب والأزمات سر هو وأمها بحياتها, ورأيا أن ذلك للنفس من أحسن أمنياتها إذ علما ما آل إليه أمرها, وجبر كسرها, إذ ذاك أخف الضررين, وإن كان الكرب قد ستر القلب منه حجاب وأشهد على نفسه بعقد إنكاحها من الشاب المذكور وكتب إليها أثناء كتابه:

بنيتي موني به برة ... فقد قضى الدهر بإسعافه

وأخبار المعتمد بن عباد تذيب الأكباد وقد أضربنا عنها خوف الخروج عن الموضوع.

[بدور وقيل قدور الساحرة]

هي امرأة مصرية ساحرة كانت في زمان دلوكة, وكانت السحرة تعظمها وتقدمها ولما حل ما حل بفرعون والمصريين من الغرق في البحر الأحمر عند اتباعهم بني إسرائيل ولم يعد في مصر من الرجال المقدمين من يقدر على حفظ البلاد بعثت دلوكة على بدور تقول لها: إننا قد احتجنا على سحرك وفزعنا إليك ولا نأمن أن يطمع فينا الملوك, فاعلمي لنا شيئا نغلب به من حولنا وقد كان فرعون يحتاج غليك فكيف وقد ذهب أكابرنا وبقي أقلنا.

فبنت بدور بربي من حجارة في وسط مدينة منف وجعلت لها أربعة أبواب على جهة القبلي والبحري والشرق والغرب, وصورت فيه صور الخيل والبغال والحمير, والسفن والرجال وقالت لهم: قد عملت لكم عملا يهلك به كل من أرادكم من أي جهة تؤتون منها برا وبحرا وهذا يغنيكم عن الحصن ويقطع عنكم مؤنة من أتاكم من كل جهة فإنهم إن كانوا في البر على خيل, أو بغال, أو إبل, أو في سفن, أو رجالة تحركت هذه الصور فيصيبهم في أنفسهم قيل: ولم تزل تلك العجوز تدبر مصر نحو أربعمائة سنة وكلما انهدم من تلك البربي شيء لم يقدر على إصلاحه إلا هي أو ولدها أو ولد ولدها, ولما انقرض بيتها تهدمت البربي ولم يقدر أحد على إصلاحها -ذكر ذلك المقريزي.

[بديعة ابنة السيد سراج الدين الرفاعي]

كانت ذات عرفان ويقين وبكاء أخذت عن أبيها وسمع منها الإمام محمد الوتري وغيره, وحدثت ولها شعر عجيب ومنه قولها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:

رسول الهدى أدعوك والقلب خاشع ... هلوع فيا للغارة الأحمدية

عليك تحياتي ولو أن همتي ... حطيطة حد عن مقام التحية

فإنك مصباح الوجودات كلها ... وشمس أسارير الهدى للبرية

ولها كرامات ومناقب وأحوال ظاهرة وكانت من الحياء والدين وعلم الشريعة بمنزلة رفيعة, وتوفيت -رضي الله عنها- سنة ٨٩٠ هجرية.

<<  <   >  >>