للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهيثم: فيما أحسب، إنه رجل من بني كُسَع ثم أحد بني مُحارب يقال له غامد بن الحارث، وكان يرعى إبلاً له بوادٍ كثير العشب والخَمْط، فبينا هو كذلك إذ بصر بنبعةٍ في صخرة فأعجبته وقال: ينبغي أن تكون هذه قوساً، فجعل يتعاهدها في كل يوم ويقوّمها حتى أدركت قطعها وجففها. فلما جفّت اتخذ منها قوساً، وأنشد يقول:

يا ربّ وَفِّقْنِي لنَحْتِ قَوْسِي ... فإنّها من لَذَّتِي لِنَفْسي

وانْفَعْ بِقَوْسِي وَلَدِي وعِرْسِي ... أنحتُها صَفْراءَ مثَل الوَرْسِ

صَلْداءَ لَيْسَت كَقِسيِّ النُّكْسِ

ثم دهنها وخطمها بوتر، ثم عمد إلى برايتها فجعل منها خمسة أسهم، وجعل يقّلبها في كفه ويقول:

هُنَّ ورَبِّي أَسْهُمٌ حِسانُ ... تَلَذُّ للرَّامِي بها البَنانُ

كأَنَّما قَوَّمَها مِيزان ... فأبْشِرُوا بِالخِصْب يا صِبْيَانُ

إِنْ لم يَعُقْنِي الشُّؤْمُ وَالحِرْمانُ

ثم خرج حتى أتى قُترةً على موارد حُمُرٍ فكمن فيها. فمر به قطيعٌ منها، فرمى عَيْراً منه فأصابه فأمخطه السهم، أي انتظمه، فجازهُ وأصاب الجبل فأورى ناراً فظنّ أنه أخطأه، فأنشأ يقول:

أعوذُ باللهِ العَزِيزِ الرّحْمَنْ ... من نَكَدِ الجَدِّ مَعاً والحِرْمانْ

مَالِي رأيتُ السَّهْمَ بين الصَّوَّانْ ... يُورِي شَرَاراً مثل لَوْنِ العِقْيانْ

فأُخْلِفُ اليَوْمَ رَجَاءُ الصِّبْيانْ

<<  <   >  >>