للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ إذَا خَرَجَ نَهَارَا لَمْ يَقْصُر إلَى اللَّيْل]

قَوْلُهُ: (وَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) هَكَذَا فِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ ذَكَرهَا الْكُشْمِيهَنِيُّ وَهِيَ ثَابِتَة عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا فِي كِتَاب الْحَجّ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى إبَاحَة الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، لِأَنَّ بَيْن الْمَدِينَة وَذِي الْحُلَيْفَةِ سِتَّة أَمْيَال. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ لَمْ تَكُنْ مُنْتَهَى السَّفَر، وَإِنَّمَا خَرَجَ إلَيْهَا حَيْثُ كَانَ قَاصِدَا إلَى مَكَّةَ وَاتَّفَقَ نُزُوله بِهَا وَكَانَتْ أَوَّل صَلَاة حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْر فَقَصَرَهَا وَاسْتَمَرَّ يَقْصُر إلَى أَنْ رَجَعَ.

قَوْلُهُ: (إذَا خَرَجَ مَسِيرَة ثَلَاثَة أَمْيَال) اُخْتُلِفَ فِي تَقْدِير الْمِيل، فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: الْمِيل هُوَ مِنْ الْأَرْض مُنْتَهَى مَدّ الْبَصَر، لِأَنَّ الْبَصَر يَمِيل عَنْهُ عَلَى وَجْه الْأَرْض حَتَّى يَفْنَى إدْرَاكه، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ. وَقِيلَ: أَنْ يَنْظُر إلَى الشَّخْص فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَة فَلَا يَدْرِي أَرْجُل هُوَ أَمْ امْرَأَة أَوْ ذَاهِبٌ أَوْ آتٍ؟ . قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمِيل سِتَّة آلَاف ذِرَاع، وَالذِّرَاع أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَة مُعْتَدِلَة، وَالْأُصْبُع سِتّ شُعَيْرَات مُعْتَرِضَة مُعْتَدِلَة. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَ هُوَ الْأَشْهَر. وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِاثْنَيْ عَشَر أَلْف قَدَم بِقَدَمِ الْإِنْسَان. وَقِيلَ: هُوَ أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع. وَقِيلَ: ثَلَاثَة آلَاف ذِرَاع نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ. وَقِيلَ: خَمْسُمِائَةٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقِيلَ: أَلْفَا ذِرَاع. وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَلْفِ خُطْوَة لِلْجَمَلِ. قَالَ: ثُمَّ إنَّ الذِّرَاع الَّذِي ذَكَرَ النَّوَوِيُّ تَحْرِيره قَدْ حَرَّرَهُ غَيْره بِذِرَاعِ الْحَدِيد الْمَشْهُور فِي مِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَار، فَوَجَدَهُ يَنْقُص عَنْ ذِرَاع الْحَدِيد بِقَدْرِ الثُّمُن، فَعَلَى هَذَا فَالْمِيل بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ فِي الْقَوْل الْمَشْهُور خَمْسَة آلَاف ذِرَاع وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا. قَوْلُهُ: (أَوْ ثَلَاثَة فَرَاسِخَ) الْفَرْسَخُ فِي الْأَصْل: السُّكُون، ذَكَره ابْنُ سِيدَهْ. وَقِيلَ: السَّعَة. وَقِيلَ: الشَّيْءُ الطَّوِيل. وَذَكَر الْفَرَّاءُ أَنَّ الْفَرْسَخَ فَارِسِيّ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ ثَلَاثَة أَمْيَال. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْخِلَاف الطَّوِيل بَيْن عُلَمَاء الْإِسْلَام فِي مِقْدَار الْمَسَافَةِ الَّتِي يَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِر وَغَيْره فِيهَا نَحْوَا مِنْ عِشْرِينَ قَوْلَا، أَقَلّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ: يَوْم وَلَيْلَة، وَأَكْثَره: مَا دَامَ غَائِبَا عَنْ بَلَده.

وَقِيلَ: أَقَلّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ الْمِيل كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ، وَاحْتُجَّ لَهُ بِإِطْلَاقِ السَّفَر فِي كِتَابِ اللَّه تَعَالَى كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: ١٠١] الْآيَة،

<<  <  ج: ص:  >  >>