للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْوَابُ الْجَمْع بَيْن الصَّلَاتَيْنِ

بَابُ جَوَازه فِي السَّفَر فِي وَقْت إحْدَاهُمَا

١١٧١ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا» .

ــ

[نيل الأوطار]

لِأَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْعَام، فَأَحَبَّ أَنْ يُعْلِمهُمْ أَنَّ الصَّلَاة أَرْبَع. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عُثْمَانَ: أَنَّهُ أَتَمَّ بِمِنًى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: إنَّ الْقَصْرَ سُنَّة رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ، وَلَكِنَّهُ حَدَث طَغَام يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَة: فَخِفْت أَنْ يَسْتَنُّوا» .

وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ فِي مِنًى: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا زِلْت أُصَلِّيهَا مُنْذُ رَأَيْتُك عَام أَوَّل رَكْعَتَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأَوُّلِ عُثْمَانَ غَيْر ذَلِكَ، وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا هُنَا أَحْسَن مَا قِيلَ.

وَأَمَّا تَأَوُّلُ عَائِشَةَ فَأَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيق هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا، فَقُلْت لَهَا: لَوْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَتْ: يَا بْنَ أَخِي إنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ " وَهُوَ دَال عَلَى أَنَّهَا تَأَوَّلَتْ أَنَّ الْقَصْر رُخْصَة وَأَنَّ الْإِتْمَام لِمَنْ لَا يَشُقّ عَلَيْهِ أَفْضَل، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْط الْكَلَام فِي ذَلِكَ.

[أَبْوَابُ الْجَمْع بَيْن الصَّلَاتَيْنِ]

[بَابُ جَوَازه فِي السَّفَر فِي وَقْت إحْدَاهُمَا]

قَوْلُهُ: (تَزِيغ) بِزَايٍ وَغَيْن مُعْجَمَة: أَيْ تَمِيل قَوْلُهُ: (يَجْمَع بَيْنَهُمَا) أَيْ فِي وَقْت الْعَصْر، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيل عَلَى جَوَاز جَمْعِ التَّأْخِيرِ فِي السَّفَرِ سَوَاءٌ كَانَ السَّيْرُ مُجِدًّا أَمْ لَا، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَاف فِي الْجَمْع فِي السَّفَر، فَذَهَبَ إلَى جَوَازه مُطْلَقًا تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا كَثِير مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَشْهَبُ. وَاسْتَدَلُّوا بِالْأَحَادِيثِ الْآتِيَة فِي هَذَا الْبَابِ وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا.

وَقَالَ قَوْم: لَا يَجُوز الْجَمْع مُطْلَقًا إلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ. وَأَجَابُوا عَمَّا رُوِيَ مِنْ الْأَخْبَار فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ جَمْع صُورِيّ وَهُوَ أَنَّهُ أَخَّرَ الْمَغْرِب مِثْلَا إلَى آخِر وَقْتهَا وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ فِي أَوَّل وَقْتهَا، كَذَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ: وَتَعَقَّبَهُ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْره بِأَنَّ الْجَمْع رُخْصَة، فَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ أَعْظَم ضِيقًا مِنْ الْإِتْيَان بِكُلِّ صَلَاة فِي وَقْتهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>