للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الصَّلَاةِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْإِيمَاءِ وَهَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا أَمْ لَا

١٣٢٠ - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَقَالَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ فَرِجَالًا وَرُكْبَانًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .

١٣٢١ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ وَكَانَ نَحْوَ عَرَفَةَ وَعَرَفَاتٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَقُلْتُ: إنِّي لَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، فَانْطَلَقْتُ أَمْشِي وَأَنَا أُصَلِّي أُومِئُ إيمَاءً نَحْوَهُ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ:

ــ

[نيل الأوطار]

وَإِسْحَاقُ وَمَنْ تَبِعْهُمَا، وَقَالَ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: قَصْرُ الْخَوْفِ قَصْرُ هَيْئَةٍ لَا قَصْرُ عَدَدٍ. وَتَأْوَلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا رَكْعَة مَعَ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ فِيهَا نَفْيُ الثَّانِيَةِ وَيَرُدُّ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " وَلَمْ يَقْضُوا رَكْعَةً " وَكَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: " وَلَمْ يَقْضُوا " وَكَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي " وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً ". وَأَمَّا تَأْوِيلُهُمْ قَوْلَهُ: " لَمْ يَقْضُوا " بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ لَمْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ بَعْد الْأَمْنِ فَبَعِيدٌ جَدًا.

١ -

(فَائِدَةٌ) وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ لَا يَدْخُلُهَا قَصْرٌ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ هَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ وَالثَّانِيَةِ وَاحِدَةً أَوْ الْعَكْسُ. فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالْقَاسِمِيَّةُ. وَإِلَى الثَّانِي النَّاصِرُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْف تَعَرُّضٌ لِكَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى الْمَغْرِبَ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَيْلَةَ الْهُرَيْرِ انْتَهَى.

وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحُفِظَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ لَيْلَةَ الْهُرَيْرِ كَمَا رَوَى صَالِحُ بْنُ خَوَّاتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ صَالِحٍ.

وَرُوِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ:. وَهُوَ تَوْقِيفٌ. وَاحْتَجَّ لِأَهْلِ الْقَوْل الثَّانِي بِفِعْلِ عَلِيٍّ. وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَرْجَحُ، وَحَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ التَّخْيِيرَ. قَالَ: وَفِي الْأَفْضَلِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: رَكْعَتَانِ بِالْأُولَى، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَيْسَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلٌ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَلَا قَوْلٌ كَمَا عَرَفْتَ.

[بَابُ الصَّلَاةِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْإِيمَاءِ وَهَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا أَمْ لَا]

حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِلَفْظِ: «فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا» قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ بِنَحْوِ ذَلِكَ وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ بِلَا شَكٍّ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ جَزْمًا. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هُوَ بَيَانُ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ صَلَاةِ الْخَوْفِ لَا تَفْسِيرَ لِلْآيَةِ. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَحَسَّنَ إسْنَادَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ.

وَالْحَدِيثَانِ اسْتَدَلَّ بِهِمَا عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عِنْدَ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْإِيمَاءِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ إلَّا عَلَى فَرْضِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ فِعْلُ صَحَابِيٍّ لَا حُجَّةَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمَ يَقُولُ: إنَّ الْمَطْلُوبَ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ يُومِئُ إيمَاءً، وَإِنْ كَانَ طَالِبًا نَزَلَ فَصَلَّى بِالْأَرْضِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إلَّا أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ أَصْحَابِهِ فَيَخَافُ عَوْدَ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ فَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الطَّالِبَ فِيهِ التَّفْصِيلُ، بِخِلَافِ الْمَطْلُوبِ.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ شِدَّةَ الْخَوْفِ فِي الْمَطْلُوبِ ظَاهِرَةٌ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِهَا، وَأَمَّا الطَّالِبُ فَلَا يَخَافُ اسْتِيلَاءَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَخَافُ أَنْ يَفُوتَهُ الْعَدُوُّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مُتَعَقَّبٌ بِكَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّهُ قَيَّدَهُ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ طَالِبًا مِنْ مَطْلُوبٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.

وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ لَهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا خَافَ الطَّالِبُونَ إنْ نَزَلُوا الْأَرْضَ فَوْتَ الْعَدُوِّ صَلَّوْا حَيْثُ وُجِّهُوا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَرْجِعَ هَذَا الْخِلَافِ إلَى الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، فَمَنْ قَيَّدَهُ بِالْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ مِنْ الْعَدُوِّ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ، وَمَنْ جَعَلَهُ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، وَجَوَّزَ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ لِلرَّاجِلِ وَالرَّاكِبِ عِنْدَ حُصُولِ أَيِّ خَوْفٍ.

١٣٢٢ - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «نَادَى فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ انْصَرَفَ عَنْ الْأَحْزَابِ أَنْ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ فَصَلَّوْا دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا نُصَلِّي إلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>