للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ: إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَسَعِيدُ بْنِ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ. وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ بِلَفْظِ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحِجَامَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا» وَقَدْ تَقَدَّمَ

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ كَرَاهِيَةِ الْوِصَالِ]

. قَوْلُهُ: (يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي) قَالَ فِي الْفَتْحِ: اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَرَامَةً لَهُ فِي لَيَالِي صِيَامِهِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: " أَظَلُّ " يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ " أَبِيتُ " دُونَ " أَظَلُّ "، وَعَلَى تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ فَلَيْسَ حَمْلُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الْمَجَازِ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِ لَفْظِ ظَلَّ عَلَى الْمَجَازِ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَلَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَا يُؤْتَى بِهِ الرَّسُولُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَشَرَابِهَا لَا يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ كَحَالَةِ النَّائِمِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ الشِّبَعُ وَالرَّيُّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَيَسْتَمِرُّ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ فَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ صَوْمُهُ وَلَا يَنْقَطِعُ وِصَالُهُ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ مَجَازٌ عَنْ لَازِمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ الْقُوَّةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يُعْطِينِي قُوَّةَ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ) وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مَرَّتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمَالِكٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (فَاكْلُفُوا) بِسُكُونِ الْكَافِ وَبِضَمِّ اللَّامِ: أَيْ احْمِلُوا مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي ذَلِكَ مَا تُطِيقُونَ. وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَلَا يَصِحُّ لُغَةً. قَوْلُهُ: (رَحْمَةً لَهُمْ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْوِصَالَ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى تَحْرِيمِ الْوِصَالِ. وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ: التَّحْرِيمُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ: " رَحْمَةً " لَا يَمْنَعُ التَّحْرِيمَ، فَإِنَّ مِنْ رَحْمَتِهِ لَهُمْ أَنْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ وَاصَلَ بِأَصْحَابِهِ لَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ فَوَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا» هَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.

وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مُوَاصَلَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ بَعْدَ نَهْيِهِ لَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ تَقْرِيرًا بَلْ تَقْرِيعًا وَتَنْكِيلًا. وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ النَّهْيِ فِي تَأْكِيدِ زَجْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا بَاشَرُوا ظَهَرَتْ لَهُمْ حِكْمَةُ النَّهْيِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى قَبُولِهِمْ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَلَلِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ وَأَرْجَحُ مِنْ وَظَائِفِ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ حَدِيثُ الرَّجُلِ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَرِّمْ الْوِصَالَ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>