للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَقَبَضَ كَفَّهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا)

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابٌ صِيَامُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ وَكَرَاهَةُ صَوْمِ الدَّهْرِ]

. حَدِيثُ أَبِي مُوسَى أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ: «ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا، وَعَقَدَ تِسْعِينَ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ.

قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ: «مَنْ صَامَ الْأَبَدَ فَلَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» . وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الصَّوْمِ مَفْضُولَةٌ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى كَرَاهِيَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: اُسْتُدِلَّ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ مِنْ وُجُوهٍ: نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الزِّيَادَةِ، وَأَمْرُهُ بِأَنْ يَصُومَ وَيُفْطِرَ وَقَوْلُهُ: " لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ " وَدُعَاؤُهُ عَلَى مَنْ صَامَ الْأَبَدَ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " لَا صَامَ " النَّفْيُ: أَيْ مَا صَامَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} [القيامة: ٣١] وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِلَفْظِ: " مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ " وَمَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ: " لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ " قَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْ لَمْ يَحْصُلْ أَجْرَ الصَّوْمِ لِمُخَالَفَتِهِ وَلَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ وَإِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ مُطْلَقًا ذَهَبَ إِسْحَاقُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يَحْرُمُ، وَيَدُلُّ لِلتَّحْرِيمِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ كَمَا فِي الْفَتْحِ إلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ.

وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثِ قَتَادَةَ بِأَنَّهُ عَلَى مَنْ كَانَ يُدْخِلُ عَلَى نَفْسِهِ مَشَقَّةً أَوْ يُفَوِّتُ حَقًّا، قَالُوا: وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيّ، وَقَدْ قَالَ لَهُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ " وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ سَرْدَ الصَّوْمِ لَا يَسْتَلْزِمُ صَوْمَ الدَّهْرِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الصَّوْمِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَابِ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ. وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ الِاسْتِلْزَامِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ مَعَ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ شَهْرًا كَامِلًا إلَّا رَمَضَانَ» . وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى بِحَمْلِهِ عَلَى مَنْ صَامَهُ. جَمِيعًا وَلَمْ يُفْطِرْ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا كَالْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٍ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمُحَرَّمَةَ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَثِمَ بِصَوْمِهَا بِالْإِجْمَاعِ. وَحَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ مُسَدَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي مُوسَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>