للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُظِلُّهُ مِنْ الشَّمْسِ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .

١٨٨٧ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ تَظَلُّلِ الْمُحْرِمِ مِنْ الْحَرِّ أَوْ غَيْرِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ]

قَوْلُهُ: (يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ) وَكَذَا قَوْلُهُ: (يُظِلُّهُ مِنْ الشَّمْسِ) فِيهِ جَوَازُ تَظْلِيلِ الْمُحْرِمِ عَلَى رَأْسِهِ بِثَوْبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مَحْمِلٍ وَغَيْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: لَا يَجُوزُ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمَا وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ بِأَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ لَا يَكَادُ يَدُومُ فَهُوَ كَمَا أَجَازَ مَالِكٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِيَدِهِ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ تَحْتَ خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ جَازَ وَقَدْ احْتَجَّ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَلَى مَنْعِ التَّظَلُّلِ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَبْصَرَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ اسْتَظَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَقَالَ: أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ مُحْرِمٍ يُضْحَى لِلشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ إلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَقَوْلُهُ: أُضْحِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَذَا يُضْحَى وَالْمُرَادُ: اُبْرُزْ لِلضُّحَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طه: ١١٩] وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَبِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ مَعَ كَوْنِهِ ضَعِيفًا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ التَّظَلُّلِ وَوُجُوبُ الْكَشْفِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ عَلَى أَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَفْعَلَ الْمَفْضُولَ وَيَدَعَ الْأَفْضَلَ فِي مَقَامِ التَّبْلِيغِ.

قَوْلُهُ: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَسَاقَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِقَوْلِهِ: " فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ: الْإِحْرَامُ قَالَ النَّوَوِيُّ: أَمَّا تَخْمِيرُ الرَّأْسِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ الْحَيِّ فَمُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَأَمَّا وَجْهُهُ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ كَرَأْسِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ: لَا إحْرَامَ فِي وَجْهِهِ وَلَهُ تَغْطِيَتُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ كَشْفُ الْوَجْهِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمُوَافِقِيهِمْ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ الْمَخِيطَ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالُوا:

<<  <  ج: ص:  >  >>