للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَدْيِهِ ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إلَى عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي ثُمَّ قَلَّدَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» أَخْرَجَاهُ)

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِذَلِكَ]

. قَوْلُهُ: (إنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) وَقَعَ التَّحْدِيثُ بِهَذَا فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَمَا كَانَ يُقَالُ لَهُ إلَّا زِيَادُ ابْنُ أَبِيهِ. وَقَبْل اسْتِلْحَاقِ مُعَاوِيَةَ لَهُ كَانَ يُقَالُ لَهُ: زِيَادُ بْنُ عُبَيْدٍ وَكَانَتْ أُمُّهُ سُمَيَّةَ مَوْلَاةَ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ الثَّقَفِيِّ وَهِيَ تَحْتَ عُبَيْدٍ الْمَذْكُورِ فَوَلَدَتْ زِيَادًا عَلَى فِرَاشِهِ فَكَانَ يُنْسَبُ إلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ شَهِدَ جَمَاعَةٌ عَلَى إقْرَارِ أَبِي سُفْيَانَ بِأَنَّ زِيَادًا وَلَدُهُ فَاسْتَلْحَقَهُ مُعَاوِيَةُ بِذَلِكَ وَخَالَفَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ «أَنَّ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَذَلِكَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ. وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَنْ أَنْكَرَهَا حَتَّى قِيلَتْ فِيهَا الْأَشْعَارُ، مِنْهَا قَوْلُ الْقَائِلِ:

أَلَا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ ... مُغَلْغَلَةً مِنْ الرَّجُلِ الْيَمَانِي

أَتَغْضَبُ أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ عَفٌّ ... وَتَرْضَى أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ زَانٍ

وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ نِسْبَتِهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَمَا وَقَعَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي زَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّمَا هُوَ تَقِيَّةٌ وَذَكَرَ أَهْلُ الْأُمَّهَاتِ نِسْبَتَهُ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فِي كُتُبِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ لَمْ يُؤَلِّفُوهَا إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ بَنِي أُمَيَّةَ مُحَافَظَةً مِنْهُمْ عَلَى الْأَلْفَاظِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ الرُّوَاةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُمْ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ابْنُ زِيَادٍ مَكَانَ زِيَادٍ وَهُوَ وَهْمٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْغَسَّانِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالصَّوَابُ زِيَادٌ. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَجَمِيعُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ. قَوْلُهُ: (بِيَدِي) فِيهِ دَفْعُ التَّجَوُّزِ بِأَنْ يُظَنَّ أَنَّ الْفَتْلَ وَقَعَ بِإِذْنِهَا لَوْ قَالَتْ فَتَلْت فَقَطْ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَبِي) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاسْتُفِيدَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الْبَعْثِ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ عَامَ حِجَّةِ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ شَيْءٌ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا جَمِيعَ الْفُقَهَاءِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بِمَقَالَتِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا وَعَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ عَنْهُمَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا. وَمِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ النَّخَعِيّ وَعَطَاءُ وَابْنُ سِيرِينَ وَآخَرُونَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>