للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «جَاءَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دَرَسَتْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ يَأْتِي بِهَا أُسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَبَكَى الرَّجُلَانِ وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَقِّي لِأَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذْ قُلْتُمَا فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «إنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِرَأْيِي فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ»

ــ

[نيل الأوطار]

[كِتَابُ الصُّلْحِ وَأَحْكَامِ الْجِوَارِ] [بَابُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ وَالتَّحْلِيلِ مِنْهُمَا]

الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ، وَفِي إسْنَادِهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى عُمَرَ، قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ قَوْلُهُ: (إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي: فِي الْأَحْكَامِ قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) الْبَشَرُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَعَلَى الْجَمْعِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ} [المدثر: ٣٦] وَالْمُرَادُ إنَّمَا أَنَا مُشَارِكٌ لِغَيْرِي فِي الْبَشَرِيَّةِ وَإِنْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَائِدًا عَلَيْهِمْ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى بَعْضِ الْغُيُوبِ

وَالْحَصْرُ هَاهُنَا مَجَازِيٌّ: أَيْ: بِاعْتِبَارِ عِلْمِ الْبَاطِنِ وَقَدْ حَقَّقَهُ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي وَأَشَرْنَا إلَى طَرَفٍ مِنْ تَحْقِيقِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ: (أَلْحَنُ) أَيْ: أَفْطَنُ وَأَعْرَفُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَفْصَحُ تَعْبِيرًا عَنْهَا وَأَظْهَرُ احْتِجَاجًا، فَرُبَّمَا جَاءَ بِعِبَارَةٍ تُخَيِّلُ إلَى السَّامِعِ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُبْطِلٌ، وَالْأَظْهَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>