للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٠٩٨ - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «الْيَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ: مَا تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ؟ فَقَالُوا: تُسَخَّمُ وُجُوهُهُمَا وَيُخْزَيَانِ، قَالَ: كَذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَجَاءُوا بِالتَّوْرَاةِ وَجَاءُوا بِقَارِئٍ لَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى إذَا انْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ تَلُوحُ، فَقَالَ أَوْ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ وَلَكِنَّا كُنَّا نَتَكَاتَمُهُ بَيْنَنَا،

ــ

[نيل الأوطار]

أَوْلَى مِنْ النَّافِي، وَلَا سِيَّمَا كَوْنُ الْمَقَامِ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ أَنَّ الرَّاوِيَ تَرَكَ ذِكْرَ الْجَلْدِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَيْفَ يَلِيقُ بِعَالِمٍ أَنْ يَدَّعِيَ نَسْخَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ كِتَابًا وَسُنَّةً بِمُجَرَّدِ تَرْكِ الرَّاوِي لِذَلِكَ الْحُكْمِ فِي قَضِيَّةِ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا، وَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِدَّةٍ مِنْ السِّنِينَ لَمَّا جَمَعَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ: " جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ " فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ النَّاسِخُ وَعَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ الْأَكَابِرِ؟ . وَبِالْجُمْلَةِ إنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِتَرْكِ جَلْدِ مَاعِزٍ وَصَحَّ لَنَا ذَلِكَ لَكَانَ عَلَى فَرْضِ تَقَدُّمِهِ مَنْسُوخًا، وَعَلَى فَرْضِ الْتِبَاسِ الْمُتَقَدِّمِ بِالْمُتَأَخِّرِ مَرْجُوحًا، وَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ، وَعَلَى فَرْضِ تَأَخُّرِهِ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ لِمَنْ اسْتَحَقَّ الرَّجْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ لَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَكِنْ أَيْنَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّأْخِيرِ

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِر: عَارَضَ بَعْضُهُمْ الشَّافِعِيَّ فَقَالَ: الْجَلْدُ ثَابِتٌ عَلَى الْبِكْرِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَالرَّجْمُ ثَابِتٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ ثَبَتَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ، وَعَمِلَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ وَوَافَقَهُ أُبَيٌّ وَلَيْسَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ تَصْرِيحٌ بِسُقُوطِ الْجَلْدِ عَنْ الْمَرْجُومِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ ذِكْرِهِ لِوُضُوحِهِ وَكَوْنِهِ الْأَفْضَلَ انْتَهَى. قَدْ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِعَدَمِ ذِكْرِ الْجَلْدِ فِي رَجْمِ الْغَامِدِيَّةِ وَغَيْرِهَا، قَالُوا: وَعَدَمُ ذِكْرِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ، وَعَدَمُ وُقُوعِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ. وَيُجَابُ بِمَنْعِ كَوْنِ عَدَمِ الذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ، لِمَ لَا يُقَالُ: إنَّ عَدَمَ الذِّكْرِ لِقِيَامِ أَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْجَلْدِ. وَأَيْضًا عَدَمُ الذِّكْرِ لَا يُعَارِضُ صَرَائِحَ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْإِثْبَاتِ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعَدَمِ، وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ

[بَابُ رَجْمِ الْمُحْصَنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِحْصَانِ]

قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>