للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ أَنَّ السُّنَّةَ بُدَاءَةُ الشَّاهِدِ بِالرَّجْمِ وَبُدَاءَةُ الْإِمَامِ بِهِ إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ الْحَثِّ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ إذَا ثَبَتَ وَالنَّهْيِ عَنْ الشَّفَاعَةِ فِيهِ]

حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَ نَحْوَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «وَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ بِحَقِّهِ أَزْكَى مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَفِي إسْنَادِهِ زُرَيْقُ بْنُ السحب وَلَمْ أَعْرِفْهُ، وَفِي إسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ جَرِيرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَقَالَ فِيهِ: «فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي مُلْكِهِ» . وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْفِيذِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمِ الرَّأْفَةِ بِالْعُصَاةِ وَرَدْعِهِمْ عَنْ هَتْكِ حُرُمِ الْمُسْلِمِينَ،

وَلِهَذَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا الْحَدَّ عَلَيْهِ " فَإِذَا كَانَ تَرْكُ الْحُدُودِ وَالْمُدَاهَنَةُ فِيهَا وَإِسْقَاطُهَا عَنْ الْأَكَابِرِ مِنْ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ كَانَتْ إقَامَتُهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ مِنْ أَسْبَابِ الْحَيَاةِ وَتَبَيَّنَ سِرُّ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» الْحَدِيثُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّرْهِيبِ لِفَاعِلِهَا بِمَا هُوَ غَايَةٌ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ وَصْفُهُ بِمُضَادَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْرِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ لَمَّا شَفَعَ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» .

وَفِي لَفْظِ: «لَا أَرَاك تَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْمُخْتَلِسِ مِنْ كِتَابِ الْقَطْعِ، وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْمَنْعُ مِنْ الشَّفَاعَةِ بِمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ لَا إذَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِمَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْأَرْبَعَةِ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ الْجَارُودِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ الَّذِي سَرَقَ رِدَاءَهُ فَشَفَعَ فِيهِ: هَلَّا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟» .

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ: «تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» .

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " لَقِيَ الزُّبَيْرُ سَارِقًا فَشَفَعَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْإِمَامَ، قَالَ: إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ ".

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ الْحَافِظُ: بِسَنَدٍ حَسَنٍ " أَنَّ الزُّبَيْرَ وَعَمَّارًا وَابْنَ عَبَّاسٍ أَخَذُوا سَارِقًا فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ فَقَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْت: بِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ حِينَ خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ فَقَالُوا: لَا أُمَّ لَك، أَمَا لَوْ كُنْت أَنْتَ لَسَرَّك أَنْ يُخَلَّى سَبِيلُك ".

وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا: «اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْوَالِي فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْوَالِي فَعَفَا فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ» . وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ. وَقَدْ ادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ الْإِقَامَةُ إذَا بَلَغَهُ الْحَدُّ، وَهَكَذَا حُكِيَ الْإِجْمَاعُ فِي الْبَحْرِ. وَحَكَى الْخَطَّابِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ عُرِفَ بِأَذِيَّةِ النَّاسِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ: لَا يُشْفَعُ فِي الْأَوَّلِ مُطْلَقًا، وَفِي الثَّانِي تَحْسُنُ الشَّفَاعَةُ قَبْلَ الرَّفْعِ لَا بَعْدَهُ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَحْدُودِينَ وَعَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ قَبْلِ الرَّفْعِ وَبَعْدَهُ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي التَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَيَكُونُ السَّتْرُ هُوَ الْأَفْضَلَ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>