للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ أَوْ أَتَى بَهِيمَةً

ــ

[نيل الأوطار]

وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ الشَّرِّ مِثْلَ الَّذِي هُوَ بِهِ لَوْ حَمَلْنَاهُ إلَيْك لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ مَا هُوَ إلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً " وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيُّ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَهُوَ كُوفِيٌّ، وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ: صَدُوقٌ يَهِمُ مِنْ السَّادِسَةِ. وَقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ: إنَّ إسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَنٌ وَلَكِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ) أَيْ: عَذَبَتَهُ وَهِيَ طَرَفُهُ. قَوْلُهُ: (وَرُكِبَ بِهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ رَكِبَ بِهِ الرَّاكِبُ عَلَى الدَّابَّةِ وَضَرَبَهَا بِهِ حَتَّى لَانَ. قَوْلُهُ: (رُوَيْجِلٌ) تَصْغِيرُ رَجُلٍ لِلتَّحْقِيرِ. قَوْلُهُ: (مُخْدَجٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا جِيمٌ وَهُوَ السَّقِيمُ النَّاقِصُ الْخَلْقِ وَفِي رِوَايَةٍ مُقْعَدٌ. قَوْلُهُ: (يَخْبُثُ بِهَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ: أَيْ يَزْنِي بِهَا. قَوْلُهُ

(عِثْكَالًا) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: كَقِرْطَاسٍ: الْعِذْقُ وَالشِّمْرَاخُ، وَيُقَالُ عُثْكُولٌ وَعُثْكُولَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ انْتَهَى. وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ " إثْكَالٌ " وَفِي أُخْرَى " أُثْكُولٌ " وَهُمَا لُغَتَانِ فِي الْعِثْكَالِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْبُسْرُ. وَالشِّمْرَاخُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَهُوَ غُصْنٌ دَقِيقٌ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الشِّمْرَاخُ بِالْكَسْرِ: الْعِثْكَالُ عَلَيْهِ بُسْرٌ أَوْ عِنَبٌ كَالشُّمْرُوخِ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ هَهُنَا بِالْعُثْكَالِ: الْعُنْقُودُ مِنْ النَّخْلِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَغْصَانٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَغْصَانِ يُسَمَّى شِمْرَاخًا. وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السَّوْطُ الَّذِي يُجْلَدُ بِهِ الزَّانِي مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجَدِيدِ وَالْعَتِيقِ وَهَكَذَا إذَا كَانَ الْجَلْدُ بِعُودٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْخَشَبِ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَتَجْرَحُ اللَّحْمَ، وَلَا مِنْ الْأَعْوَادِ الرَّقِيقَةِ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِي الْأَلَمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجَدِيدِ وَالْعَتِيقِ.

وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْرُ عَرْضِهِ بِأُصْبُعٍ وَطُولُهُ بِذِرَاعٍ. وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْجَلْدَ ضُرِبَ بِعُثْكُولٍ أَوْ مَا يُشَابِهُهُ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تُبَاشِرَهُ جَمِيعُ الشَّمَارِيخِ. وَقَدْ قِيلَ يَكْفِي الِاعْتِمَادُ، وَهَذَا الْعَمَلُ مِنْ الْحِيَلِ الْجَائِزَةِ شَرْعًا. وَقَدْ جَوَّزَ اللَّهُ مِثْلَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} [ص: ٤٤] الْآيَةُ.

[بَابُ مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ أَوْ أَتَى بَهِيمَةً]

الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْبَرَاءِ أَيْضًا بِلَفْظِ: «بَيْنَمَا أَطُوفُ عَلَى إبِلٍ لِي ضَلَّتْ إذْ أَقْبَلَ رَكْبٌ أَوْ فَوَارِسُ مَعَهُمْ لِوَاءٌ فَجَعَلَ الْأَعْرَابُ يُطِيفُونَ بِي لِمَنْزِلَتِي مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَتَوْا قُبَّةً فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهَا رَجُلًا فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَسَأَلْت عَنْهُ فَذَكَرُوا أَنَّهُ أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ» قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَرُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَمِّهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ لِوَاءٌ، وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ.

وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ خَالِهِ وَسَمَّاهُ هُشَيْمِ فِي حَدِيثِهِ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو، وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ.

وَرُوِيَ عَنْهُ قَالَ: " مَرَّ بِنَا أُنَاسٌ يَنْطَلِقُونَ " وَرُوِيَ عَنْهُ: " إنِّي لَأَطُوفُ عَلَى إبِلٍ ضَلَّتْ فِي تِلْكَ الْأَحْيَاءِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَهُمْ رَهْطٌ مَعَهُمْ لِوَاءٌ " وَهَذَا لَفْظُ النَّسَائِيّ. وَلِلْحَدِيثِ أَسَانِيدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ

وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ قَطْعِيًّا مِنْ قَطْعِيَّاتِ الشَّرِيعَةِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] وَلَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهِ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ وَفَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا وَذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ، وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ لِلْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ.

وَفِيهِ أَيْضًا مُتَمَسَّكٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ يَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً مُسْتَحِلًّا لَهَا بَعْدَ إرَاقَةِ دَمِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الْكَلَامَ عَلَى التَّأْدِيبِ بِالْمَالِ.

٣١٣١ - (وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ) .

٣١٣٢ - (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبِكْرِ يُوجَدُ عَلَى اللُّوطِيَّةِ يُرْجَمُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .

<<  <  ج: ص:  >  >>