للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّحِيلُ أَتَانِي، فَقَالَ مَا أَدْرِي مَا السُّهْمَانُ وَمَا يَبْلُغُ سَهْمِي فَسَمِّ لِي شَيْئًا كَانَ السَّهْمُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَسَمَّيْتُ لَهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَلَمَّا حَضَرَتْ غَنِيمَةٌ، أَرَدْتُ أَنْ أُجْرِيَ لَهُ سَهْمَهُ، فَذَكَرْتُ الدَّنَانِيرَ فَجِئْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ، فَقَالَ مَا أَجِدُ لَهُ فِي غَزْوَتِهِ هَذِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا دَنَانِيرَهُ الَّتِي سَمَّى» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ كَانَ أَجِيرًا لِطَلْحَةَ حِينَ أَدْرَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُيَيْنَةَ لَمَّا أَغَارَ عَلَى سَرْحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ» ، وَهَذَا الْمَعْنَى لِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَجِيرٍ يَقْصِدُ مَعَ الْخِدْمَةِ الْجِهَادَ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى مَنْ لَا يَقْصِدُهُ أَصْلًا جَمْعًا بَيْنَهُمَا) .

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَدَدِ يَلْحَقُ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الْإِسْهَامِ لِتُجَّارِ الْعَسْكَرِ وَأُجَرَائِهِمْ]

الْحَدِيثُ الْأَوَّلِ فِي إسْنَادِهِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ سَنِيدُ بْنِ دَاوُد الْمِصِّيصِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَهُ قَالَ «لَمَّا فَتَحْنَا خَيْبَرَ أَخْرَجُوا غَنَائِمَهُمْ مِنْ الْمَتَاعِ وَالسَّبْيِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ غَنَائِمَهُمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَبِحْتُ رِبْحًا مَا رَبِحَ الْيَوْمَ مِثْلَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَادِي، فَقَالَ: وَيْحَكَ وَمَا رَبِحْتَ؟ قَالَ: مَازِلْتُ أَبِيعُ وَأَبْتَاعُ حَتَّى رَبِحْتُ ثَلَاثَمِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَا أُنْبِئُكَ بِخَبَرِ رَجُلٍ رَبِحَ، قَالَ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ» فَهَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ خَارِجَةَ الْمَذْكُورُ فِيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التِّجَارَةِ فِي الْغَزْوِ، وَعَلَى أَنَّ الْغَازِيَ مَعَ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَلَهُ الثَّوَابُ الْكَامِلُ بِلَا نَقْصٍ، وَلَوْ كَانَتْ التِّجَارَةُ فِي الْغَزْوِ مُوجِبَةً لِنُقْصَانِ أَجْرِ الْغَازِي لَبَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ بَلْ قَرَّرَهُ دَلَّ عَلَى عَدَمِ النُّقْصَانِ.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ جَوَازُ الِاتِّجَارِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ لَمَّا تَحَرَّجَ جَمَاعَةٌ مِنْ التِّجَارَةِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] » . وَالْحَدِيثُ الثَّانِي سَكَتَ عَنْهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ: بَابُ الْأَجِيرِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْإِسْهَامِ لِلْأَجِيرِ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لَا يُسْهَمُ لَهُ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ يُسْهَمُ لَهُ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ سَلَمَةَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَفِيهِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لَهُ " وَأَمَّا إذَا اُسْتُؤْجِرَ الْأَجِيرُ لِيُقَاتِلَ فَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: لَا سَهْمَ لَهُ. وَقَالَ الْأَكْثَرُ: لَهُ سَهْمُهُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا عَلَى الْغَزْوِ لَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ سِوَى الْأُجْرَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْجِهَادُ. أَمَّا الْحُرُّ الْبَالِغُ الْمُسْلِمُ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ فَيُسْهَمُ لَهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ إلَّا إنْ قَاتَلَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>