للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرَّ أَحَدُكُمْ بِإِبِلٍ فَأَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَلْيُنَادِ: يَا صَاحِبَ الْإِبِلِ أَوْ يَا رَاعِيَ الْإِبِلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا فَلْيَشْرَبْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ) .

بَابُ مَا جَاءَ فِي الضِّيَافَةِ

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ مَا جَاءَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ لِابْنِ السَّبِيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِطٌ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً]

حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي هُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَهُمَا هَكَذَا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ فِي الْبُيُوعِ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَحَدِيثُ سَمُرَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ: حَدِيثُ سَمُرَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَقَالُوا: إنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ صَحِيفَةِ سَمُرَةَ انْتَهَى.

وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْمَقْدِسِيُّ.

وَفِي الْبَابِ عَنْ رَافِعٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد قَالَ: «كُنْتُ أَرْمِي نَخْلَ الْأَنْصَارِ فَأَخَذُونِي فَذَهَبُوا بِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَافِعُ لِمَ تَرْمِي نَخْلَهُمْ؟ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْجُوعُ، قَالَ: لَا تَرْمِ وَكُلْ مَا وَقَعَ أَشْبَعَك اللَّهُ وَأَرْوَاكَ» وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبَّادٍ فِي قِصَّةٍ مِثْلِ قِصَّةِ رَافِعٍ، وَفِيهَا «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْحَائِطِ: مَا عَلَّمْتَ إذْ كَانَ جَاهِلًا، وَلَا أَطْعَمْتَ إذْ كَانَ جَائِعًا» قَوْلُهُ: (فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِطٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْحَائِطُ: الْبُسْتَانُ مِنْ النَّخِيلِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَهُوَ الْجِدَارُ.

وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ مُخَالِفٌ لِمَا قَيَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِطٌ " أَيْ جِدَارٌ يَمْنَعُ الدُّخُولَ إلَيْهِ بِحِرْزِهِ طُرُقُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِشْعَارِ بِعَدَمِ الرِّضَا، وَكَأَنَّهُ حَمَلَ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا مَلْجَأَ إلَى هَذَا بَلْ الظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ وَعَدَمُ التَّقْيِيدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ: وَهِيَ مَا تَحْمِلُهُ فِي حِضْنِكَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَمْرِ بِالنِّدَاءِ ثَلَاثًا.

وَحَدِيثُ سَمُرَةَ فِي الْمَاشِيَةِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ الِاسْتِئْذَانِ بِدُونِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَاشِيَةِ إلَّا مُجَرَّدَ النِّدَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ ثَلَاثًا. وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْ حَائِطِ الْغَيْرِ وَالشُّرْبِ مِنْ مَاشِيَتِهِ بَعْدَ النِّدَاءِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُضْطَرًّا إلَى الْأَكْلِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ: إذَا دَخَلَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْأَكْلَ بِحَدٍّ وَلَا خَصَّهُ بِوَقْتٍ، فَالظَّاهِرُ جَوَازُ تَنَاوُلِ الْكِفَايَةِ، وَالْمَمْنُوعُ إنَّمَا هُوَ الْخُرُوجُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُقْبِلِيُّ فِي الْأَبْحَاثِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَا لَفْظُهُ: وَفِي مَعْنَاهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ تَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ. وَوَجْهُ مُوَافَقَتِهِ لِلْقَانُونِ الشَّرْعِيِّ ظَاهِرٌ فِيمَنْ لَهُ حَقُّ الضِّيَافَةِ كَابْنِ السَّبِيلِ وَفِي ذِي الْحَاجَةِ مُطْلَقًا، وَسِيَاقَاتُ الْحَدِيثِ تُشْعِرُ بِالِاخْتِصَاصِ بِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>