للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ، وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ الْحَلِفِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى]

حَدِيثُ قَتِيلَة أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيّ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآخَرُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ: " فَقَدْ أَشْرَكَ " وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَكَذَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا بِلَفْظِ " فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ يَسْمَعْهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ الْحَافِظُ: قَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْهُ قَالَ: كُنْت عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ: (لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ) لَا: نَفْيٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ هُوَ الْمُقْسَمُ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِتَقْلِيبِ الْقُلُوبِ: تَقْلِيبُ أَحْوَالِهَا لَا ذَوَاتِهَا، وَفِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ اللَّهِ بِمَا ثَبَتَ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ بِهِ

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْحَدِيثِ: جَوَازُ الْحَلِفِ بِأَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا وُصِفَ بِهَا وَلَمْ يُذْكَرْ اسْمَهُ تَعَالَى. وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَقَالُوا: إنْ حَلَفَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَإِنْ حَلَفَ بِعِلْمِ اللَّهِ لَمْ تَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْمَعْلُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام: ١٤٨] ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ هُنَا مَجَازٌ إنْ سُلِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْلُومُ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ

قَالَ الرَّاغِبُ: تَقْلِيبُ اللَّهِ الْقُلُوبَ وَالْأَبْصَارَ: صَرْفُهَا عَنْ رَأْيٍ إلَى رَأْيٍ. قَالَ وَيُعَبَّرُ بِالْقَلْبِ عَنْ الْمَعَانِي الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الرُّوحِ وَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ قَوْلُهُ: (فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ «إنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ وَالنَّارَ بِالشَّهَوَاتِ» وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْعِزَّةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صِفَةَ ذَاتٍ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ وَالْعَظَمَةِ، وَأَنْ تَكُونَ صِفَةَ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْقَهْرِ لِمَخْلُوقَاتِهِ وَالْغَلَبَةُ لَهُمْ وَبِذَلِكَ صَحَّتْ الْإِضَافَةُ. قَالَ: وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ: أَيْ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ لِذَاتِهِ، وَالْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ لِفِعْلِهِ بِأَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي

قَالَ الْحَافِظُ: وَإِذَا أَطْلَقَ الْحَالِفُ انْصَرَفَ إلَى صِفَةِ الذَّاتِ وَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ قَوْلُهُ: (لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَ هَذَا) هَذَا طَرَفٌ مِنْ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْحَشْرِ، وَمَحَلُّ الْحُجَّةِ مِنْهُ هَذَا اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ ذَلِكَ مُقَرِّرًا لَهُ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْحَلِفِ بِذَلِكَ قَوْلُهُ: (بَلَى وَعِزَّتِكَ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَأَوَّلُهُ " أَنَّ أَيُّوبَ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>