للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٩٠٩ - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ

وَقَدْ ذَهَبَ إلَى بُطْلَانِ الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْهَادَوِيَّةُ قَوْلُهُ: (قُمْ فَاقْضِهِ) قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَمَّا طَاوَعَ بِوَضْعِ الشَّطْرِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَدْيُونِ أَنْ يُعَجِّلَ إلَيْهِ دَيْنَهُ لِئَلَّا يَجْمَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بَيْنَ الْوَضِيعَةِ وَالْمُطُلِ

[بَابُ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا]

قَوْلُهُ: (إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) الْبَشَرُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مُشَارِكٌ لِلْبَشَرِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِمْ بِالْمَزَايَا الَّتِي اُخْتُصَّ بِهَا فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْحَصْرُ هُنَا مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْعِلْمِ الْبَاطِنِ وَيُسَمَّى قَصْرَ قَلْبٍ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ كَانَ رَسُولًا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ غَيْبٍ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمَظْلُومُ مِنْ الظَّالِمِ، وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَصْرِ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ فَلْيُرْجَعْ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (أَلْحَنَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ: أَيْ أَفْطَنَ بِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَفْصَحَ تَعْبِيرًا عَنْهَا وَأَظْهَرَ احْتِجَاجًا حَتَّى يُخَيَّلَ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُبْطِلٌ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَبْلَغُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَيْ أَحْسَنُ إيرَادًا لِلْكَلَامِ، وَلَا بُدَّ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مِنْ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ لِتَصْحِيحِ مَعْنَاهُ: أَيْ وَهُوَ كَاذِبٌ، وَيُسَمَّى هَذَا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ دَلَالَةَ اقْتِضَاءٍ لِأَنَّ هَذَا الْمَحْذُوفَ اقْتَضَاهُ اللَّفْظُ الظَّاهِرُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: اللَّحْنُ: الْمَيْلُ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِقَامَةِ، يُقَالُ لَحَنَ فُلَانٌ فِي كَلَامِهِ إذَا مَالَ عَنْ صَحِيحِ الْمَنْطِقِ، وَأَرَادَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَكُونُ أَعْرَفَ بِالْحُجَّةِ وَأَفْطَنَ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَيُقَالُ لَحِنْت لِفُلَانٍ: إذَا قُلْت لَهُ قَوْلًا يَفْهَمُهُ وَيَخْفَى عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّكَ تُمِيلُهُ بِالتَّوْرِيَةِ عَنْ الْوَاضِحِ الْمَفْهُومِ انْتَهَى قَوْلُهُ: (فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ) أَيْ الَّذِي قَضَيْت لَهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ يَئُولُ بِهِ إلَى أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ تَمْثِيلٌ يُفْهَمُ مِنْهُ شِدَّةُ التَّعْذِيبِ عَلَى مَا يَتَعَاطَاهُ فَهُوَ مِنْ مَجَازٍ لَا يَسْتَحِقُّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: ١٠] وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فَوَقَعَ تَكْرَارُ الْبَعْضِ هُنَا لِتَكْرَارِ الْفَائِدَةِ

وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>