للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَمِيعُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ لَكِنْ قَالَ فِيهِ: «لَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يَقْعُدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ»

ــ

[نيل الأوطار]

[أَبْوَابُ الْإِمَامَةِ وَصِفَةُ الْأَئِمَّةِ] [بَابُ مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ]

قَوْلُهُ: (إذَا كَانُوا ثَلَاثَة) مَفْهُوم الْعَدَد هُنَا غَيْر مُعْتَبَر لِمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ مَالكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَوْلُهُ: (وَأَحَقّهمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ) وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ» فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: يُقَدَّمُ فِي الْإِمَامَةِ الْأَقْرَأُ عَلَى الْأَفْقَهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةُ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُمَا وَالْهَادَوِيَّةُ: الْأَفْقَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَقْرَإِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: لِأَنَّ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَضْبُوطٌ، وَاَلَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْفِقْهِ غَيْر مَضْبُوطٍ، وَقَدْ يَعْرِضُ فِي الصَّلَاةِ أَمْرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُرَاعَاةِ الصَّوَابِ فِيهِ إلَّا كَامِلُ الْفِقْهِ. وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْأَقْرَأَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ هُوَ الْأَفْقَهَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِهِ كَانَ أَقْرَؤُهُمْ أَفْقَهُهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسْلِمُونَ كِبَارًا وَيَتَفَقَّهُونَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَءُوا فَلَا يُوجَدُ قَارِئٌ مِنْهُمْ إلَّا وَهُوَ فَقِيهٌ، وَقَدْ يُوجَدُ الْفَقِيهُ وَهُوَ لَيْسَ بِقَارِئٍ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: إنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا. وَبِهِ يَنْدَفِعُ هَذَا الْجَوَابُ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ التَّفَقُّهَ فِي أُمُورِ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ السُّنَّةِ، وَقَدْ جُعِلَ الْقَارِئُ مُقَدَّمَا عَلَى الْعَالِمِ بِالسُّنَّةِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْأَكْثَرَ حِفْظًا لِلْقُرْآنِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَكْثَرُهُمْ فِقْهًا فَهُوَ وَإِنْ صَحَّ بِاعْتِبَارِ مُطْلَقِ الْفِقْهِ لَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْفِقْهِ فِي أَحْكَامِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا بِأَسْرِهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَتَقْرِيرًا، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إلَّا الْأَمْرُ بِهَا عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ وَهُوَ مِمَّا يَسْتَوِي فِي مَعْرِفَتِهِ الْقَارِئُ لِلْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ " فَقِيلَ الْمُرَادُ أَحْسَنُهُمْ قِرَاءَةً وَإِنْ كَانَ أَقَلّهمْ حِفْظًا، وَقِيلَ: أَكْثَرهمْ حِفْظًا لِلْقُرْآنِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: «انْطَلَقَتْ مَعَ أَبِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْلَامِ قَوْمِهِ، فَكَانَ فِيمَا أَوْصَانَا: لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، فَكُنْتُ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَقَدَّمُونِي» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَسَيَأْتِي فِي بَاب مَا جَاءَ فِي إمَامَةِ الصَّبِيِّ قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً) أَيْ اسْتَوَوْا فِي الْقَدْرِ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا إمَّا فِي حُسْنِهَا أَوْ فِي كَثْرَتِهَا وَقِلَّتِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَفْظِ مُسْلِمٍ: " فَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ وَاحِدَةً " قَوْلُهُ: (فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) فِيهِ أَنَّ مَزِيَّةَ الْعِلْمِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرهَا مِنْ الْمَزَايَا الدِّينِيَّةِ قَوْلُهُ: (فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً) الْهِجْرَةُ الْمُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ لَا تَخْتَصُّ بِالْهِجْرَةِ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ هِيَ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ وَقَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» فَالْمُرَادُ بِهِ الْهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَضْلُهَا كَفَضْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>