للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابٌ هَلْ يَقْتَدِي الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ أَمْ لَا]

حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَحَدِيثُ مُعَاذٍ قَدْ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ انْفِرَادِ الْمَأْمُومِ لِعُذْرٍ بَعْضًا مِنْ ذَلِكَ. وَالزِّيَادَة الَّتِي رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهَا أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ لَا أَعْلَمُ حَدِيثًا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ أَثْبَتُ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْد أَنْ ذَكَر هَذِهِ الزِّيَادَة: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح، وَقَدْ رَدَّ فِي الْفَتْحِ عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَمَّا قَالَ: إنَّهَا لَا تَصِحُّ. وَعَلَى الطَّحَاوِيِّ لَمَّا أَعَلَّهَا وَزَعَمَ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي رَوَاهَا أَحْمَدُ رَوَاهَا أَيْضًا الطَّحَاوِيُّ وَأَعَلَّهَا ابْنُ حَزْمٍ بِالِانْقِطَاعِ لِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِك النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا أَدْرَكَ هَذَا الَّذِي شَكَا إلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا الشَّاكِيَ مَاتَ قَبْلَ يَوْمِ أُحُدٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُسْتُدِلَّ بِالرِّوَايَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ بِقَوْمِهِ كَانَتْ لَهُ تَطَوُّعًا عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِض بِالْمُتَنَفِّلِ. وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ» فَإِنَّهُ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ: إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَلَا تُصَلِّيَ مَعَ قَوْمِكَ، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَلَا تُصَلِّيَ مَعِي.

وَيُرَدّ بِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي هَذَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُ وَالصَّلَاةِ بِقَوْمِهِ مَعَ التَّخْفِيفِ وَالصَّلَاةِ مَعَهُ فَقَطْ مَعَ عَدَمِهِ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَطْلُوبِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ، نَعَمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَفْظُهُ: وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ مَنْ مَنَعَ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ قَالَ: لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى صَلَّى مَعَهُ امْتَنَعَتْ إمَامَتُهُ، وَبِالْإِجْمَاعِ لَا تَمْتَنِع بِصَلَاةِ النَّفْلِ مَعَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ صَلَاةَ الْفَرْضِ وَأَنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ كَانَ يَنْوِيهِ نَفْلًا اهـ.

وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ، فَتِلْكَ الزِّيَادَة أَعْنِي قَوْلَهُ: " هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ " أَرْجَحُ سَنَدًا وَأَصْرَح مَعْنًى. وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ إنَّهَا ظَنٌّ مِنْ جَابِرٍ مَرْدُودٌ. لِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي مَعَ مُعَاذٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَا يُظَنّ بِجَابِرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ شَخْصٍ بِأَمْرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَتْقَى لِلَّهِ وَأَخْشَى.

وَمِنْهَا أَنَّ فِعْل مُعَاذٍ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَقْرِيرِهِ، كَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ. وَرُدَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ وَأَمَرَ مُعَاذًا بِهِ فَقَالَ: " صَلِّ بِهِمْ صَلَاة أَخَفُّهُمْ " وَقَالَ لَهُ لَمَّا شَكَوْا إلَيْهِ تَطْوِيلَهُ: " أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ " وَأَيْضًا رَأْيُ الصَّحَابِيِّ إذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْره حُجَّةٌ وَالْوَاقِعُ هَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِينَ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ مُعَاذٌ كُلُّهُمْ صَحَابَةٌ، وَفِيهِمْ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ثَلَاثُونَ عَقَبِيًّا وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا، وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ قَالَ: وَلَا نَحْفَظُ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ امْتِنَاعُ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ مَعَهُمْ بِالْجَوَازِ عُمَرُ وَابْنه وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمْ.

وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْفَرِيضَةَ مَرَّتَيْنِ، فَيَكُونُ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُصَلُّوا

<<  <  ج: ص:  >  >>