للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَخْلَةٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَأَتَيْنَاهُ نَعُودُهُ فَوَجَدْنَاهُ فِي مَشْرُبَةٍ لِعَائِشَةَ يُسَبِّحُ جَالِسًا، قَالَ: فَقُمْنَا خَلْفَهُ فَسَكَتَ عَنَّا، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى نَعُودُهُ فَصَلَّى الْمَكْتُوبَةَ جَالِسًا، فَقُمْنَا خَلْفَهُ فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَلَا تَفْعَلُوا كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ فَارِسَ بِعُظَمَائِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .

ــ

[نيل الأوطار]

[بَابُ اقْتِدَاءِ الْقَادِر عَلَى الْقِيَامِ بِالْجَالِسِ وَأَنَّهُ يَجْلِسُ مَعَهُ]

حَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد ابْنُ مَاجَهْ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا بَقِيَّةُ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ: «اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ، فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا، فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: إنْ كُنْتُمْ آنِفًا تَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومَ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا، ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ، إنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» وَرَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ.

وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ قَدْ قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَيْهَا فِي بَابِ وُجُوبِ مُتَابَعَة الْإِمَام، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى أَكْثَرِ أَلْفَاظِ أَحَادِيثِ الْبَابِ هُنَالِكَ قَوْلُهُ: (مَشْرُبَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِضَمِّ الرَّاء وَفَتْحِهَا وَهِيَ الْغُرْفَةُ، وَقِيلَ: كَالْخِزَانَةِ فِيهَا الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ مَشْرُبَةً، فَإِنَّ الْمَشْرَبَةَ بِفَتْحِ الرَّاءِ فَقَطْ: هِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْهُ النَّاسُ قَوْلُهُ: (عَلَى جِذْمٍ) بِجِيمٍ مَكْسُورَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ: وَهُوَ أَصْلُ الشَّيْءِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَصْلُ النَّخْلَةِ.

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: " عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ ذَهَبَ أَعْلَاهَا وَبَقِيَ أَصْلُهَا فِي الْأَرْضِ "، وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فَتْح الْجِيم وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، فَإِنَّ الْجَذْمَ بِالْفَتْحِ: الْقَطْعُ. قَوْلُهُ: (فَانْفَكَّتْ) الْفَكّ: نَوْعٌ مِنْ الْوَهَنِ وَالْخَلْعِ، وَانْفَكَّ الْعَظْمُ: انْتَقَلَ مِنْ مَفْصِلِهِ، يُقَالُ فَكَكْت الشَّيْءَ: أَبَنْت بَعْضَهُ مِنْ بَعْضِ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ الْقَائِلُونَ: إنَّ الْمَأْمُومَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَأْمُومُ مَعْذُورًا، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ: أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَبَقِيَّةُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، إلَّا فِيمَنْ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ الْإِمَامِ يُذَكِّرُ النَّاسَ وَيُعَلِّمُهُمْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّي قَائِمًا. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُسِيدُ بْنُ حُضَيْرٍ قَالَ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَف فِي الصَّحَابَةِ.

وَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْت النَّاسَ إلَّا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا صَلَّى مَنْ خَلْفه قُعُودًا، قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>