للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفَعَلَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَرَدْت خَمْسِينَ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنْ الإِبِلِ فَيُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَعِيرَانِ، هَذَانِ الْبَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا مِنِّي وَلا تَصْبِرْ يَمِينِي حَيْثُ تُصْبَرُ الأَيْمَانُ، فَقَبِلَهُمَا، وَجَاءَ ثَمَانِيَةُ وَأَرْبَعُونَ فَحَلَفُوا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْ الثَّمَانِيَةِ وَالأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ.

قَوْلُهُ: «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ» . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقَسَامَةِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ وَشَاكِرٍ،

فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَقِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوَجَدُوهُ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ، فَأَحْلَفَهُمْ عُمَرُ خَمْسِينَ يَمِينًا كُلّ رَجُلٍ مَا قَتَلْته وَلا عَلِمْتُ قَاتِلَهُ، ثُمَّ أَغْرَمَهُمْ الدِّيَةَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا أَيْمَانُنَا دَفَعَتْ عَنْ أَمْوَالِنَا، وَلا أَمْوَالُنَا دَفَعَتْ عَنْ أَيْمَانِنَا. فَقَالَ عُمَرُ: كَذَلِكَ الْحَقُّ وَأَخْرَجَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ أَجْرَى فَرَسًا فَوَطِئَ عَلَى أُصْبُعِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ فَمَاتَ، فَقَالَ عُمَرُ لِلَّذِينَ ادَّعَى عَلَيْهِمْ: أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا مَاتَ مِنْهَا، فَأَبَوْا. فَقَالَ لِلآخَرِينَ: احْلِفُوا أَنْتُمْ، فَأَبَوْا، فَقَضَى عُمَرُ بِشَطْرِ الدِّيَةِ عَلَى السَّعْدِيِّينَ.

قَوْلُهُ: «فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ» بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهِيَ الْحَبْلُ الَّذِي يُقَادُ بِهِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ بِالْقَسَامَةِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَمُعْظَمُ الْحِجَازِيِّينَ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ» أَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ عَلَى مُعَيَّنٍ سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَخْتَصُّ الْقَتْلُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمُعَيَّنِينَ أَوْ يُقْتَلُ الْكُلُّ إِلَى أَنْ قَالَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدَ وَفِي الْخَطَأ الدِّيَةَ فَمَا وَجْهُ إيجَابِ الْقَسَامَةِ؟ فَيُقَالُ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مُصَادَقَةٌ كَانَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ لَوْثٍ، فَإِنَّ اللَّوْثَ فِي الأَصْلِ هُوَ مَا يُثْمِرُ صِدْقَ الدَّعْوَى، وَلَهُ صُوَرٌ مِنْهَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>