للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إلَيْهِ سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْيُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْ الْعُمْرَةِ آنِفًا» . فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: «أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي الْعُمْرَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُ فِي ... حَجِّكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

٢٤٤٤- وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ: وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ.

٢٤٤٥- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اخْلَعْ جُبَّتَكَ فَخَلَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ» .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «ثُمَّ اصْنَعْ فِي الْعُمْرَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَعْمَالَ الْحَجِّ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَخْلَعُونَ الثِّيَابَ وَيَجْتَنِبُونَ الطِّيبَ فِي الْإِحْرَامِ إذَا حَجُّوا وَكَانُوا يَتَسَاهَلُونَ فِي ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مَجْرَاهُمَا وَاحِدٌ. وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى مَنْعِ اسْتِدَامَةِ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ أَثَرِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّ قِصَّةَ يَعْلَى كَانَتْ بِالْجِعْرَانَةِ وَهِيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا طَيَّبَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهَا عِنْدَ إحْرَامِهِمَا وَكَانَ ذَلِكَ

فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ سَنَةَ عَشْرٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْأَمْرِ الْآخِرِ فَالْآخِرِ وَبِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِغَسْلِهِ فِي قِصَّةِ يَعْلَى إنَّمَا هُوَ الْخَلُوقُ لَا مُطْلَقُ الطِّيبِ فَلَعَلَّ عِلَّةَ الْأَمْرِ فِيهِ مَا خَالَطَهُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ. وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ تَزَعْفُرِ الرَّجُلِ مُطْلَقًا مُحْرِمًا وَغَيْرَ مُحْرِمٍ. وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَ طِيبًا فِي إحْرَامِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ عَلِمَ فَبَادَرَ إلَى إزَالَتِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَظَاهِرُهُ أَنَّ اللُّبْسَ جَهْلًا لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ وَقَدْ احْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ اسْتِدَامَةِ الطِّيبِ وَإِنَّمَا وَجْهُهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِغَسْلِهِ لِكَرَاهَةِ التَّزَعْفُرِ لِلرَّجُلِ لَا لِكَوْنِهِ مُحْرِمًا مُتَطَيِّبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>