للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَلَمَةَ قَالَ لَهَا: «إنِّي قَدْ أَهْدَيْت إلَى النَّجَاشِيِّ حُلَّةً وَأَوَاقِيَّ مِنْ مِسْكٍ، وَلا أَرَى النَّجَاشِيَّ إلا قَدْ مَاتَ، وَلا أَرَى هَدِيَّتِي إلا مَرْدُودَةً، فَإِنْ رُدَّتْ عَلَيَّ فَهِيَ لَكِ» . قَالَتْ: وَكَانَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرُدَّتْ عَلَيْهِ هَدِيَّتُهُ فَأَعْطَى كُلَّ

امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أُوقِيَّةَ مِسْكٍ، وَأَعْطَى أُمَّ سَلَمَةَ بَقِيَّةَ الْمِسْكِ وَالْحُلَّةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

٣١٩٨- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ: «انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ» . وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ - رضي الله عنه - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْت نَفْسِي وَعَقِيلًا، قَالَ: «خُذْ» . فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: مُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إلَيَّ؟ قَالَ «لا» . قَالَ: ارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ؟ قَالَ: «لا» . فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَرْفَعْهُ، قَالَ: مُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ، قَالَ: «لا» . قَالَ: ارْفَعْهُ عَلَيَّ أَنْتَ، قَالَ: «لا» . فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّفْضِيلِ فِي ذَوِي الْقُرْبَى وَغَيْرِهِمْ وَتَرْكِ تَخْمِيسِ الْفَيْءِ، وَأَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ ذُو رَحِمٍ لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ.

٣١٩٩- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رضي الله عنه - كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: يَا بُنَيَّةُ إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا، وَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِهِ وَاحْتَرَثْتِهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَلْيَقْبَلْهُ» فِيهِ الأَمْرُ بِقَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الأَخِ فِي الدِّينِ لأَخِيهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الرَّدِّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ جَلْبِ الْوَحْشَةِ وَتَنَافُرِ الْخَوَاطِرِ، فَإِنَّ التَّهَادِيَ مِنْ الأَسْبَابِ الْمُورِثَةِ لِلْمَحَبَّةِ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» .

قَوْلُهُ: «فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَشْيَاءَ الْوَاصِلَةَ إلَى الْعِبَادِ عَلَى أَيْدِي بَعْضِهِمْ هِيَ مِنْ الأَرْزَاقِ الإِلَهِيَّةِ لِمَنْ وَصَلَتْ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>