للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى رجل قد أفسد أحلامكم، فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم؟ ألم تروا إلى حلاوة منطقه وفصاحة لسانه، وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم ذلك ليذهبنّ وليستميلنّ قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم، فيخرجكم من بلادكم. قالوا: صدق الشيخ النجدي.

فقال أبو جهل: والله لأشيرنّ عليكم برأي ما أرى غيره، إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابًا نسيبًا وسبطًا فتيًّا، ثم يعطى كل فتى، منهم سيفًا صارمًا، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرّق دمه في القبائل كلها، ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش

كلها، وأنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل فتؤدي قريش ديته. فقال إبليس: صدق هذا الفتى، وهو أجودكم رأيًا، القول ما قال، لا أرى رأيًا غيره.

فتفرّقوا على قول أبي جهل وهم مجمعون له. فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بذلك، وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي يبيت فيه، فأذن الله له عند ذلك بالخروج إلى المدينة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليّ بن أبي طالب أن ينام في مضجعه وقال له: «اتَّشِح ببردتي هذه، فإنه لا يخلصَ إليك منهم أمر تكرهه» ، ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ قبضة من تراب فأخذ الله أبصارهم عنه، فجعل ينثر التراب على رءوسهم وهو يقرأ: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} .

ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر، وخلّف عليًّا بمكة حتى يؤدّي عنه الودائع التي كانت عنده، وكانت الودائع تودع عنده - صلى الله عليه وسلم - لصدقه وأمانته، وبات المشركون يحرسون عليًّا في فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحسبون أنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>