للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني عشر

في تقديم المسند إليه (١)

مرتبة المُسند إليه: «التقديم» وذلك لأنَّ مدلوله هو الذي يخطر أولاً في الذهن، لأنه المحكوم عليه، والمحكوم عليه سابق للحكم طبعاً فاستحق التقديم وضعاً، ولتقديمه دواع شتَّى


(١) معلوم: أن الالفاظ قوالب المعاني، فيجب أن يكون ترتيبها الوضعي حسب ترتيبها الطبيعي، ومن البين أن (رتبة المسند إليه التقديم) لانه المحكوم عليه، ورتبة المسند التأخير، إذ هو المحكوم به - وما عداهما فهو متعلقات وتوابع تأتي تالية لهما في الرتبة ولكن قد يعرض لبعض الكلم من المزايا والاعتبارات ما يدعو إلى تقديمها، وإن كان من حقها التأخير فيكون من الحسن اذاً تغيير هذا الاصل واتباع هذا النظام ليكون المقدم مشيراً إلى الغرض الذي يؤدي إليه، ومترجما عما يريد.
ولا يخلو (التقديم) من أحوال أربع =
الأول - ما يفيد زيادة في المعنى مع تحسين في اللفظ وذلك هو الغاية القصوى، واليه المرجع في فنون البلاغة - والكتاب الكريم هو العمدة في هذا، انظر إلى قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) تجد ان لتقديم الجار في هذا قد أفاد التخصيص وأن النظر لا يكون إلا لله، مع جودة الصياغة وتناسق السجع.
الثاني - ما يفيد زيادة في المعنى فقط نحو (بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) فتقديم المفعول في هذا لتخصيصه بالعبادة، وأنه ينبغي ألا تكون لغيره، ولو أخر ما أفاد الكلام ذلك.
الثالث - ما يتكافأ فيه التقديم والتأخير وليس لهذا الضرب شيء من الملاحة كقوله
... ... وكانت يدى ملأى به ثم اصبحت ... «بحمد إلهي» وهي منه سليب
فتقديره: ثم أصبحت وهي منه سليب بحمد إلهي.
الرابع - ما يختل به المعنى ويضطرب، وذلك هو التعقيد اللفظي - أو المعاظلة التي تقدمت، كتقديم الصفة على الموصوف، والصلة على الموصول، أو نحو ذلك من الانواع التي خرجت عن الفصاحة - ومنها قول الفرزدق.
إلى ملك ما أمه من محارب أبوه ولا كانت كليب تصاهره
فتقديره: إلى ملك أبوه ما أمه من محارب، أي ما أم أبيه منهم، ولا شك أن هذا لا يفهم من كلامه للنظرة الأولى، بل يحتاج إلى تأمل وتريث ورفق، حتى يفهم المراد منه.

<<  <   >  >>