للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودليل ذلك: الذوق والاستعمال

(٧) ومنها إفادة التَخصيص - قطعاً (١)

اذا كان المسند إليه مسبوقاً بنفي والمسند فعلا - نحو: ما أنا قلت هذا ولا غيري - أي: لم أقله: وهو مقول لغيري، ولذا: لا يصحّ أن يقال: ما أنا قلت هذا ولا غيري، لأن مفهوم (ما أنا قلت) أنّه مقول للغير، ومنطوق (ولا غيري) كونه غير مقول للغير (فيحصل التناقض سلباً وإيجاباً)

وإذا لم يسبق المسند إليه نفي - كان تقديمه محتملا (٢) لتخصيص الحكم به أو تقويته، إذا كان المسند فعلا (٣) نحو: أنتَ لا تبخل

ونحو: هو يهبُ الألوف، فاُنَّ فيه الإسناد مرتين، إسناد الفعل إلى ضمير المخاطب: في المثال الأول، وإسناد الجملة إلى ضمير الغائب: في المثال الثاني.

(٨) ومنها كون المتقدم محطّ الانكار والغرابة - كقوله:

أبعدَ المشيب المُنقضى في الذَّوائب تُحاول وصل الغانيات الكواعب

(٩) ومنها سُلوك سبيل الرُّقى - نحو: هذا الكلام صحيح، فَصيح، بلَيغ - فاذا قلت «فصيح» بليغ، لا يحتاج إلى ذكر صحيح، وإذا قلت «بليغ» لا يحتاج إلى ذكر فصيح.

(١٠) ومنها مُراعاة الترتيب الوُجودي - نحو (لا تأخذُهُ سنةٌ ولا نوم)

تمرين

ما نوع المقدّم، وما فائدة التقديم في الأمثلة الآتية:

(١) قال الله تعالى: «لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ»

(٢) وقال تعالى: «ممّا خطيئاتهم أغرقوا فأدخلُوا ناراً»

(٣) وقال أبو فراس:

إلى الله أشكو انَّنا بمنازل تحكم في آسادهنَّ كلاب

(٤) وقال ابن نباته يخاطب الحسن بن محمد المهلّبي:

ولى همةٌ لا تطلبُ المالَ للغنى ولكنها منك المودة تطُلبُ

(٥) وقال أبو نواس:

إني انتجعتُ العبَّاس ممتدحاً وسيلتي جُوُدُه وأشعاري

عن خبرةٍ جثتُ لا مُخاطرة وبالدَّلالات يهتدى السَّارى

(٦) وقال الأبيوردي:

ومن نكدِ الأيام أن يبلغ المُنى أخوُ اللوم فيها والكَريم يخيبُ

(٧) وقال أبو الطيب المتنبي يهجو كافوراً:

من أية الطرقِ يأتي مثلَك الكرَمُ اينَ المحاجمُ يا كافورُ والجَلمُ

(٨) وقال المعري:

أعندي وقد مارستُ كل خفية يُصدقُ واش أو يُخيَّبُ سائلُ

(٩) وقال أيضاً:

إلى الله أشكو أنني كل ليلةٍ إذا نمتُ لم أعدم خوَاطرَ أوهام

فإن كانَ شراَ فهو لا شكَّ واقعٌ وإن كانَ خيراً فهو أضغاثُ أحلام

(١٠) وقال أيضاً:

وكالنّار الحياةُ فمن رماد أواخرُها وأوَّلها دُخان

(١١) وقال بعض الشعراء في الحث على المعروف:

يد المعروف غنمٌ حيثُ كانت تحمَّلها شكورٌ أو كفور

ففي شكرِ الشَّكور لها جزاء وعندَ الله ما جحد الكفُور

(١٢) وقال الآخر:

أنلهُو وايامُنا تذهبُ ونلعبُ والدّهرُ لا يلعبُ

(١٣) وقال محمد بن وهيب يمدح الخليفة المعتصم (وكنيته أبو إسحق) :

ثلاثة تشرقُ الدُّنيا ببهجتها شمسُ الضّحى وأبو إسحق والقمر

(١٤) وقال آخر:

ثلاثة يجهلُ مقدارها الأمنُ والصّحةُ والقوتُ

فلا تثق بالمال من غيرها لو أنَّه دُرٌّ وياقوتُ

(١٥) وقال آخر يهجو بخيلا:

أأنت تجودُ إنّ الجودَ طبعٌ ومالك منهُ يا هذا نصيبُ

(١٦) وقال آخر يستنكر أن يشرب الخمر حين دُعى لشربها:

أبعدَ ستينَ قد ناهزتُها حججاً أحكمُ الرَّاح في عقلي وجُسماني

(١٧) وقال الآخر:

غافلٌ أنتَ والليالي حَبَالَى بصُنوف الرّدى تَروحُ وتغدُو

(١٨) وقال ابن المعُتزّ:

ومن عجب الأيام بغى معاشرٍ غضابٍ على سبقي إذا أنا جاريتُ

يغيظهم فضلي عليهم ونقصهم كانّى قسَّمتُ الخظوظ فحابيت


(١) وذلك يكون في ثلاثة مواضع:
الأول - ان يكون المسند إليه معرفة ظاهرة بعد نفي، نحو: ما فؤاد فعل هذا.
الثاني - أن يكون المسند إليه معرفة مضمرة بعد نفي، نحو: ما أنا قلت ذلك.
الثالث - أن يكون المسند إليه نكرة بعد نفي، نحو: ما تلميذ حفظ الدرس.
(٢) وذلك في ستة مواضع
الأول - ان يكون المسند إليه معرفة ظاهرة قبل نفي، نحو فؤاد ما قال هذا.
الثاني - أن يكون المسند إليه معرفة ظاهرة مثبتة، نحو ع باس أمر بهذا.
الثالث - ان يكون المسند إليه معرفة مضمرة قبل نفي، نحو انا ما كتبت الدرس.
الرابع - أن يكون المسند إليه معرفة مضمرة مثبتة، نحو أنا حفظت درسي.
الخامس - أن يكون المسند إليه نكرة قبل نفي، نحو رجل ما قال هذا
السادس - أن يكون المسند إليه نكرة مثبتة، نحو تلميذ حضر اليوم في المدرسة واعلم أن ما ذكرناه هو مذهب عبد القاهر الجرجاني وهو الحق، وخالفه السكاكي.
(٣) فان قيل: لماذا اشترط أن يكون المسند فعلا، وهل إذا كان المسند وصفا مشتملا على ضمير نحو: أنت بخيل - لم يكن كالفعل في إفادة التقوية.
أقول: لما كان ضمير الوصف لا يتغير: تكلما، وخطايا، وغيبة، فهو شبيه بالجوامد وكانت تقويته قريبة من الفعل، لا مثلها تماماً.

<<  <   >  >>