للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول في طرق القصر]

للقصر طُرُق كثيرة - وأشهرها في الاستعمال أربعة (١)

وهي:


(١) ومن طرق القصر التي ليست مشهورة الاستعمال لفظ: وحده، أو: فقط. أو: لا غير، أو: ليس غير، أو: مادة الاختصاص، أو: مادة القصر، أو: توسط ضمير الفصل، أو: تعريف المسند إليه أو: تقديم المسند إليه على خبره الفعلي أحياناً، وغير ذلك وهذه الطرق خالية من اللطائف البلاغية وقد أوصلها (جلال الدين السيوطي) في كتابه (الاتقان في علوم القرآن) إلى أربعة عشر طريقا.
أهمها الطرق الأربعة المشهورة الاستعمال - وهي تختلف مع بعضها من أوجه كثيرة.
منها - أن (لا) العاطفة لا تجتمع مع النفي والاستثناء: لأن شرط المنفي بها لا يكون منفيا صريحاً قبلها بغيرها فلا تقول: ما عليّ إلا مجتهد لا متكاسل - ولذا عيب على الحريري قوله.
لعمرك ما الانسان إلا ابن يومه على ما تحلى يومه لا ابن أمسه
وتجتمع «لا» مع (انما) أو (التقديم) نحو إنما أنا مصري لا سوري، ونحو المجتهد أكرمت لا المتكاسل، لان النفي فيهما غير مصرح به.
ومنها - أن الاصل في الحكم مع النفي والاستثناء: أن يكون مجهولا منكرا للمخاطب (أي شأنه أن يجهله المخاطب وينكره) بخلاف (انما) لأن النفي مع الاستثناء لصراحته أقوى في التأكيد من (انما) فينبغي أن يكون لشديد الانكار، ونحو: قولك (وقد رأيت شبحاً من بعد) ما هو إلا زيد: لمن اعتقد أنه غيره، ونحو: (إن أنتم إلا بشر مثلنا) لما كانوا مصرين على دعوى الرسالة مع زعم المكذبين امتناع الرسالة في البشر، رد المكذبون اصرارهم عليها بقولهم ذلك.
وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول لغرض بلاغي، فيستعمل فيه النفي والاستثناء، نحو (وما محمد إلا رسول) فقد قصر الله محمدا على صفة الرسالة ونفي عنه أن يظن في أمره الخلود، فلا يموت أو يقتل.
وهذا معلوم للصحابة، لكن لاستعظامهم موته، لشدة حرصهم على بقائه صلى الله عليه وسلم نزلوا منزلة من لا يعلمه وقد ينزل المجهول منزلة المعلوم - نحو (انما نحن مصلحون) لادعائهم أن كونهم مصلحين أمر ظاهر، ولهذا رد عليهم بقوله (ألا إنهم هم المفسدون) مؤكد بما ترى بالجملة - فالاستثناء لفوته يكون لرد شديد الانكار حقيقة - أو ادعاء، و «إنما» لضعفها تكون لرد الانكار في الجملة، حقيقة أو ادعاء - ويكون للقصر (بإنما) مزية على العطف لأنه يفهم منها الحكمان، أعني الاثبات للمذكور، والنفي عما عداه معاً، بخلاف العطف لأنه يفهم منه أولا الاثبات ثم النفي، أو عكسه، نحو انما خليل فاهم - خليل فاهم لا حافظ - وأحسن مواقعها التعريض نحو (انما يتذكر أولوا الألباب) .
واعلم أن «غير» كإلا: في إفادة القصرين، وفي امتناع اجتماعه مع لا العاطفة، فلا يقال: ما على غير شاعر لا منجم، وما شاعر غير على لا نصر.

<<  <   >  >>