للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيصرح لك في جلاء، وفي غير خشية، بتفضيل جود صاحبه على جود الغيم، ولا يكتفي بهذا، بل تراه ينهى الحساب في صورة تهديد أن نحاول التشبه بممدوحه، لأنه ليس من أمثاله ونظرائه - أو يقول:

وأقبل يمشى في البساط فما درى إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي

يصف حال رسول الروم داخلا على سيف الدولة، فينزع في وصف الممدوح بالكرم، إلى الاستعارة التصريحية، والاستعارة كما علمت مبنية على تناسى التشبيه، والمبالغة فيها أعظم، وأثرها في النفوس أبلغ - أو يقول:

دعوت نداهُ دعوة فأجابني وعلّمني إحسانه كيف آمله

فيشّبه ندى ممدوحه وإحسانه (بانسان) ، ثم يحذف المشبه به، ويرمز إليه بشيء من لوازمه - وهذا ضرب آخر من ضروب المبالغة التي تساق الاستعارة لأجلها:

أو يقول: ومن قصد البحر استقل السواقيا

فيرسل العبارة كأنها مثلٌ، ويصوّر لك أن من قصد ممدوحه استغنى عمن هو دونه، كما أن قاصد البحر لا يأبه للجداول، فيعطيك استعارة تمثيلية، لها روعة، وفيها جمال، وهي فوق ذلك تحمل برهاناً على صدق دعواه، وتؤيد الحال الذي يدعيها - أو يقول:

ما زلت تتبع ما تولي يداً بيدٍٍ حتى ظننت حياتي من أياديكا

فيعدل عن التشبيه والاستعارة، إلى (المجاز المرسل) ويطلق كلمة «يد» ويريد بها النعمة، لأن اليد آلة النعم وسببها - أو يقول:

أعاد يومك أيامى لنضرتها واقتص جودُك من فقري وإعسارى

فيسند الفعل: إلى اليوم، وإلى الجود، على طريقة المجاز العقلي - أو يقول:

فما جازه جودٌ ولا حلَّ دونه ولكن يسير الجود حيث يسير

فياتي بكناية عن نسبة الكرم إليه، بادعاء أن الجود يسير معه دائماً لأنه بدل أن يحكم بأنه كريم، ادّعى أن الكرم يسير معه أينما سار، ولهذه الكناية من البلاغة، والتأثير في النفس، وحسن تصوير المعنى، فوق ما يجده السامع في غيرها من بعض ضروب الكلام،

<<  <   >  >>