للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«والإسناد» انضمامَ كلمةِ (١) «المُسند» إلى أخرى (٢)

«المسند» إليه» على وَجهٍ يُفيد


(١) أي - وما يجري مجراها.
(٢) أي - وما يجري مجراها - كما سيأتي:
(تنبيه) الاسناد: مطلقاً قسمان حقيقة عقلية، ومجاز عقلي - فالحقيقة العقلية هي اسناد الفعل أو ما في معناه إلى ما في معناه إلى ما وضع له عند المتكلم في الظاهر من حاله نحو: تجري الأمور بما لا يشتهي البشر، وأنبت الله النبات، والمجاز العقلي (ويسمى اسنادا مجازيا، ومجازاً حكمياً، ومجازا في الاسناد) هو اسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة من ارادة الاسناد إلى ما هو له نحو - تجري الرياح بما لا تشتهي السفن - وله علاقات شتى - فيلائم الفاعل لوقوعه منه نحو سيل مفعم بفتح العين أي مملوء - فاسناد مفعم وهو مبني للمفعول إلى ضمير السيل وهو فاعل مجاز عقلي ملابسته الفاعلية - ويلائم المفعول به لوقوعه عليه نحو عيشة راضية: فاسناد راضية وهو مبني للفاعل إلى ضمير العيشة وهي مفعول به (مجاز عقلي) ملابسته المفعولية - ويلائم الزمان والمكان لوقوعه فيهما نحو صام نهاره، وسال الميزاب، ونهار صائم، ونهر جار، ويلائم المصدر نحو جد جده، ويلائم السبب نحو بني الأمير المدينة - وكما يقع المجاز العقلي في الاسناد يقع في النسبة الاضافية: كمكر الليل. وجرى الانهار، وشقاق بينهما.
وغراب البين (على زعم العرب) وفي النسبة الايقاعية: نحو (وأطيعوا أمري ولا تطيعوا أمر المسرفين) ، واجريت النهر - وكما يكون في الاثبات يكون في النفي نحو قوله تعالى «فما ربحت تجارتهم» ، وما نام ليلى - على معنى خسرت تجارتهم، وسهر ليلى قصدا إلى اثبات النفي، لا نفى الاثبات - ويكون أيضاً في الانشاء كما سبقت الاشارة إليه نحو قوله تعالى «أصلاتك تأمرك» ونحو «ياهامان ابن لي صرحا» ، وليصم نهارك، وليجد جدك، وليت النهر جار - وما أشبه ذلك.
وأقسامه باعتبار حقيقة طرفيه ومجازيتهما أربعة - لأنهما أما حقيقتان لغويتان نحو أنبت الربيع البقل - أو مجازان لغويان نحو أحيا الارض شباب الزمان، إذ المراد باحياء الارض تهييج القوى النامية فيها، وإحداث نضارتها بأنواع الرياحين، والاحياء في الحقيقة اعطاء الحياة، وهي صفة تقتضي الحس والحركة، وكذا المراد بشباب الزمان زمان ازدياد قواها النامية، وهو في الحقيقة عبارة عن كون الحيوان في زمان تكون حرارته الغريزية مشبوبة أي قوية مشتعلة - أو المسند حقيقة لغوية والمسند إليه مجازى لغوي: نحو أنبت البقل شباب الزمان - أو المسند إليه حقيقة لغوية والمسند مجاز لغوي نحو أحيا الارض الربيع ووقوع المجاز العقلي في القرآن كثير: نحو ما تقدم، ونحو «وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا» ، وينزع عنهما لباسهما، وأخرجت الأرض أثقالها، «فكيف تتقون ان كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا» .
ولا بد له من قرينة صارفة عن ارادة المعنى الاصلي لأن الفهم لولا القرينة يتبادر إلى الحقيقة - والقرينة إما لفظية وإما معنوية فاللفظية كقولك هزم الأمير الجند وهو في قصره، والمعنوية كاستحالة قيام المسند بالمسند إليه المذكور معه عقلا بمعنى أنه لو خلى العقل ونفسه عد ذلك القيام محالا كقولك محبتك جاءت بي اليك، لاستحالة قيام المجىء بالمحبة عقلا، وكاستحالة ما ذكر عادة نحو هزم الأمير الجند لاستحالة قيام هزيمة الجند بالأمير وحده عادة، وان أمكن عقلا، وكأن يصدر من الموحد: نحو
أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومن العشي
فأن صدور ذلك من الموحد قرينة معنوية على أن إسناد أشاب وافنى إلى كر الغداة ومر العشي مجاز، ثم هذا غير داخل في الاستحالة إذ قد ذهب إليه كثير من المبطلين ولا يجب أن يكون في المجاز العقلي لللفعل فاعل يعرف الاسناد إليه حقيقة، بل تارة يكون له فاعل، يعرف إسناده إليه حقيقة كما تقدم، وتارة لا - نحو قوله.
يزيدك وجهه حسنا إذا ما زدته نظراً
فان اسناد الزيادة للوجه مجاز عقلي وليس لها أي الزيادة فاعل يكون الاسناد إليه معروفا حقيقة، ومثله سرتني رؤيتك وأقدمني بلدك حق لي عليك، فهذه الأمثلة ونحوها من المجاز العقلي الذي لا فاعل له يعرف الاسناد إليه حقيقة: كما قال الشيخ (عبد القاهر) - وقيل لابد له من فاعل يعرف الاسناد إليه حقيقة، ومعرفته إما ظاهرة نحو (فما ربحت تجارتهم) أي فما ربحوا في تجارتهم - وإما خفية كهذه الأمثلة والفاعل الله تعالى، هذا - وقد أنكر (السكاكي) المجاز العقلي ذاهبا إلى أن أمثلته السابقة ونحوها منتظمة في سلك الاستعارة بالكناية فنحو أنبت الربيع البقل يجعل الربيع استعارة عن الفاعل الحقيقي، بواسطة المبالغة في التشبيه، ويجعل نسبة الانبات إليه قرينة الاستعارة وسيأتي مذهبه ان شاء الله تعالى في فن البيان عند الكلام على الاستعارة بالكناية.
(تنبيه) ذكر بعض المؤلفين (مبحث المجاز العقلي والحقيقة العقلية) في أحوال الاسناد من علم المعاني.
وبعضهم ذكرهما في فن البيان عند تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز ولكل وجهة.

<<  <   >  >>