للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البدن قد تكون ضرراً على الإنسان إذا استعمل هذه القوة في معصية الله، فقوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، إن كان الإنسان استعمل هذه القوة فيما ينفعه في الدنيا والآخرة صارت محمودة وإن استعان بهذه القوة على معصية الله صارت مذمومة.

لكن القوة في قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي) ، تعني قوة الإيمان، لأن كلمة القوى تعود إلى الوصف السابق وهو الإيمان، كما تقول: الرجل القوي، أي في رجولته، كذلك المؤمن القوي يعني في إيمانه؛ لأن المؤمن القوي في إيمانه تحمله قوة إيمانه على أن يقوم بما أوجب الله عليه، وعلى أن يزيد من النوافل ما شاء الله، والضعيف الإيمان يكون إيمانه ضعيفاً لا يحمله على فعل الواجبات، وترك المحرمات فيقصر كثيراً.

وقوله: (خير) يعني خير من المؤمن الضعيف، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ثم قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: (وفي كل خير) يعني المؤمن القوي والمؤمن الضعيف كل منهما فيه خير، وإنما قال: (وفي كل خير) لئلا يتوهم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه، بل المؤمن الضعيف فيه خير، فهو خير من الكافر لا شك.

وهذا الأسلوب يسميه البلاغيون الاحتراز، وهو أن يتكلم الإنسان كلاماً يوهم معنى لا يقصده، فيأتي بجملة تبين أنه يقصد المعنى المعين، ومثال ذلك في القرآن قوله تبارك وتعالى: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) (الحديد: ١٠) ، لما كان قوله: (أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>