للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني من مقتضى الحياء ومبادئ العقل القاصر، وهو من أفعال السلاطين، وأكابر الدنيا، ودهاتهم المعدودين من جملة العقلاء، بالإضافة إلى العوام. والثالث مقتضى كمال العقل، وهو فعل الأولياء والحكماء ومحققي العقلاء.

ولتفاوت هذه الرتب قيل: خير ما أعطي الإنسان عقل يردعه، فإن لم يكن فحياء يمنعه، فإن لم يكن فخوف يزعجه، فإن لم يكن فمال يستره، فإن لم يكن فصاعقة تحرقه، فيستريح منه العباد والبلاد. وهذا التفاوت يعهد لكل شخص من صباه إلى كبره، إذ هو في ابتداء صباه لا يمكن زجره وحثه بالحمد والذم بل بمطعوم حاضر، أو ضرب ناجز يحس به. فإذا صار مميّزاً مقارباً للبلوغ، أمكن زجره وحثه بالمحمدة والمذمة. فطريق زجره مذمة المزجور عنه. وتقبيح حال متعاطيه، وطريق ترغيبه في تعلم الأدب وغيره لكثرة الثناء على آتيه، وكثرة الذم لمجتنبيه، فيؤثر ذلك تأثيراً ظاهراً. وأكثر الخلق لا يجاوزون هاتين المرتبتين إلى الرتبة الثالثة، فيكون إقدامهم وإحجامهم صادراً عن هذه البواعث والصوارف. وأما الرتبة الثالثة، فيعزو وجودها، والخيرات الآخروية أيضاً هذا شأنها. وبهذا الطريق تتفاوت الناس فيها، إذ لا فرق بين الآخروية

<<  <   >  >>