للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَعِينُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْكَلَامِ فِي الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَبِذَلِكَ يَسْتَعِينُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّبَهَاتِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ.

وَالنَّاسُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي رُوحِ الْإِنْسَانِ: هَلْ هِيَ جِسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، أَوْ جَوْهَرٌ لَا يَقْبَلُ الصُّعُودَ وَالنُّزُولَ وَالْقُرْبَ وَالْبُعْدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ؟ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ، كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؟ (١) وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُهَا عَرَضًا مِنْ أَعْرَاضِ الْبَدَنِ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ.

وَقَدْ دَخَلَ فِي الْأَوَّلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ هُوَ إِلَّا هَذِهِ الْجُمَلَ الْمُشَاهَدَةَ، وَهِيَ الْبَدَنُ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا الرِّيحُ الَّتِي تَتَرَدَّدُ فِي مَخَارِيقِ الْبَدَنِ ; وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا الدَّمُ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا الْبُخَارُ اللَّطِيفُ الَّذِي يَجْرِي فِي مَجَارِي الدَّمِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالرُّوحِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ ; وَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ النُّظَّارِ.

وَقَدْ يَنْظُرُ الْإِنْسَانُ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْمُصَنَّفَةِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، وَيَجِدُ فِي الْمُصَنَّفِ أَقْوَالًا مُتَعَدِّدَةً، وَالْقَوْلُ الصَّوَابُ لَا يَجِدُهُ فِيهَا.

وَمَنْ تَبَحَّرَ فِي الْمَعَارِفِ تَبَيَّنَ لَهُ خُلَاصَةُ الْأُمُورِ، وَتَحْقِيقُهَا: هُوَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ، لَكِنَّ إِطَالَةَ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ، لَا يُنَاسِبُ هَذَا


(١) انْظُرْ رِسَالَةً فِي الْعَقْلِ وَالرُّوحِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، الْمَنْشُورَةَ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ مَجْمُوعَةِ الرَّسَائِلِ الْمُنِيرِيَّةِ، ط. الْقَاهِرَةِ، ١٣٤٣. وَنُشِرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَجْمُوعِ فَتَاوَى الرِّيَاضِ ٤/٢١٦ - ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>