للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْحَوَادِثِ مُسْتَلْزِمٌ لَهَا امْتَنَعَ إِرَادَتُهُ دُونَ إِرَادَةِ لَوَازِمِهِ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا، وَاللَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَالِقُهُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ ذَلِكَ بِإِرَادَتِهِ، وَبَعْضُهُ بِإِرَادَةِ غَيْرِهِ، بَلِ الْجَمِيعُ بِإِرَادَتِهِ.

وَحِينَئِذٍ فَالْإِرَادَةُ الْأَزَلِيَّةُ الْقَدِيمَةُ (١) إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسْتَلْزِمَةً لِمُقَارَنَةِ مُرَادِهَا لَهَا، وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَلَوَازِمُهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَالْحَوَادِثُ لَازِمَةٌ لِكُلِّ مُرَادٍ مَصْنُوعٍ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً لَهُ، وَأَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً (٢) ، إِذِ التَّقْدِيرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُقَارِنٌ لِلْإِرَادَةِ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْحَوَادِثِ الْمُتَعَاقِبَةِ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ.

[اعتراض يشبه قول ابن ملكا والرد عليه]

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ الْقَدِيمَ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ، وَأَرَادَ الْحَوَادِثَ الْمُتَعَاقِبَةَ عَلَيْهِ (٣) بِإِرَادَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، كَمَا قَدْ يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ صَاحِبِ الْمُعْتَبَرِ (٤) .


(١) أ، ب: الْقَدِيمَةُ الْأَزَلِيَّةُ.
(٢) أ، ب: فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا (أ: قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً) ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي (ن) ، (م) . وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْحَوَادِثُ مُرَادَةً وَأَنْ تَكُونَ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً.
(٣) ن، م: عَلَيْهَا.
(٤) وَهُوَ أَبُو الْبَرَكَاتِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مَلْكَا صَاحِبُ كِتَابِ " الْمُعْتَبَرِ فِي الْحِكْمَةِ " اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَسَمَّاهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ: هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنُ مَلْكَا، وَقَالَ آخَرُونَ: ابْنُ مَلْكَانِ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ ٥٤٧، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهَا ٥٦٠ أَوْ ٥٧٠، وَهُوَ طَبِيبٌ وَفَيْلَسُوفٌ كَانَ يَهُودِيًّا وَأَسْلَمَ، يُعْرَفُ بِأَوْحَدِ الزَّمَانِ وَبِفَيْلَسُوفِ الْعِرَاقَيْنِ. طُبِعَ كِتَابُهُ " الْمُعْتَبَرُ " فِي حَيْدَرَ آبَادَ سَنَةَ ١٣٥٧. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَالْكَلَامَ عَنْ كِتَابِهِ فِي: آخِرِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِهِ " الْمُعْتَبَرِ " ص [٠ - ٩] ٣٠ - ٢٥٢ ; طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ لِابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ (ط. بَيْرُوتَ) ٢/٢٩٦ - ٣٠٠ ; أَخْبَارَ الْحُكَمَاءِ لِابْنِ الْقِفْطِيِّ، ص [٠ - ٩] ٤٣ - ٣٤٦ ; تَارِيخَ حُكَمَاءِ الْإِسْلَامِ لِظَهِيرِ الدِّينِ الْبَيْهَقِيِّ، ص ١٥٢ - ١٥٤ ; نُكَتَ الْهِمْيَانِ لِلصَّفَدِيِّ، ص ٣٠٤ ; وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ ٥/١٢٤، ١٢٥ ; الْأَعْلَامَ ٩/٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>