للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ وُجُودُ شَيْءٍ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنَّ أَحَدَ الْمُمْكِنَيْنِ الْجَائِزَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ فِي الذَّاتِ الْبَسِيطَةِ أَنْ يُوجِدَ هَذَا دُونَ هَذَا وَيَجْعَلَ هَذَا قَدِيمًا دُونَ هَذَا مَعَ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَسِيطَةٌ نِسْبَتُهَا إِلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ.

وَإِذَا قِيلَ: مَاهِيَّةُ الْمُمْكِنِ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ دُونَ وُجُودِهِ.

قِيلَ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ عَنِ الْوُجُودِ إِنَّمَا تُعْقَلُ فِي الْعِلْمِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ دُونَ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَالْعِلْمُ تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الذَّاتِ الْفَاعِلَةِ سَبَبٌ (* يَقْتَضِي تَخْصِيصَ مَاهِيَّةٍ دُونَ مَاهِيَّةٍ بِالْوُجُودِ، بَلْ كَانَتْ بَسِيطَةً لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْمَاهِيَّاتِ لَمْ يُعْقَلْ *) (١) اخْتِصَاصُ إِحْدَى الْمَاهِيَّتَيْنِ بِالْوُجُودِ دُونَ الْأُخْرَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَاعِلَ إِذَا تَصَوَّرَ مَا يُرِيدُ فِعْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُرَادُ. (٢) فِعْلُهُ سَبَبٌ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ بِالْإِرَادَةِ، وَالْعَبْدُ لِإِرَادَتِهِ أَسْبَابٌ خَارِجَةٌ عَنْهُ (٣) تُوجِبُ التَّخْصِيصَ، وَأَمَّا الرَّبُّ تَعَالَى، فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إِلَّا مَا هُوَ مِنْهُ، وَهُوَ مَفْعُولُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَاتِهِ مَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ امْتَنَعَ التَّخْصِيصُ مِنْهُ، فَامْتَنَعَ الْفِعْلُ.

الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْمُمْكِنِ ثَابِتَةٌ فِي الْخَارِجِ لَكِنَّ الْقَوْلَ فِي (٤) تَخْصِيصِ تِلْكَ الْمَاهِيَّاتِ الْمُقَارِنَةِ لِوُجُودِهَا بِالْوُجُودِ دُونَ


(١) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(٢) ن، م: يُرِيدُ.
(٣) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(٤) الْقَوْلَ فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>