للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَقِّ، وَالْبَاطِلِ، وَذَلِكَ جَهْلٌ وَامْتِنَاعٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالتَّكَلُّمِ بِهِ.

وَمَدَارُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُعْرَفُ وَلَا يُذْكَرُ وَلَا يُمَجَّدُ وَلَا يُعْبَدُ، وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ السَّفْسَطَةِ، فَإِنَّ السَّفْسَطَةَ مِنْهَا مَا هُوَ نَفْيٌ لِلْحَقِّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ نَفْيٌ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ تَجَاهُلٌ، وَامْتِنَاعٌ عَنْ إِثْبَاتِهِ، وَنَفْيِهِ، وَيُسَمَّى [أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ] الْلَا أَدْرِيَّةَ (١) لِقَوْلِهِمْ: لَا نَدْرِي (٢) .

كَمَا قَالَ فِرْعَوْنُ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: ٢٣] مُتَجَاهِلًا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ، وَأَنَّهُ مَنْكُورٌ لَا يُعْرَفُ، فَخَاطَبَهُ مُوسَى بِمَا بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَعْرَفُ مِنْ أَنْ يُنْكَرَ، وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُجْحَدَ (٣) ، فَقَالَ: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ - قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ - قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} [سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: ٢٤ - ٢٦] .

وَكَذَلِكَ قَالَتِ الرُّسُلُ لِمَنْ قَالَ مِنْ قَوْمِهِمْ: {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ - قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: ٩ - ١٠] إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَقَامُ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَكِنْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَا لِاتِّصَالِ الْكَلَامِ بِهِ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ إِذَا جَوَّزْنَا حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ امْتَنَعَ الْقَوْلُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، كَمَا سَنُبَيِّنُ امْتِنَاعَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ حُدُوثِ


(١) ن، م: وَيُسَمَّى هَؤُلَاءِ الْأَدْرِيَّةَ.
(٢) أ، ب: لِقَوْلِهِمْ فِيمَا لَا نَعْلَمُ: لَا نَدْرِي.
(٣) ن (فَقَطْ) : مِمَّنْ أَنْ يَجِدَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>