للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْدُثُ فِيهِ الْحَوَادِثُ مَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ دَوَامِهَا، بَلْ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مُقَدِّمَاتٌ بَيِّنَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا وَفَهِمَهَا.

فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ أَزَلِيًّا قَدِيمًا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مُوجِبًا بِالذَّاتِ، وَلَوْ كَانَ فَاعِلُ الْعَالَمِ مُوجِبًا بِالذَّاتِ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَالْحَوَادِثُ فِيهِ مَشْهُودَةٌ (١) ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ (٢ الْعَالَمِ مُوجِبًا بِذَاتِهِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ ٢) (٢) الْعَالَمُ قَدِيمًا، كَمَا قَالَهُ أُولَئِكَ (٣) الدَّهْرِيَّةُ، بَلْ وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُعَيَّنُ الَّذِي هُوَ مَفْعُولُ الْفَاعِلِ أَزَلِيًّا، لَا سِيَّمَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ بِاخْتِيَارِهِ، فَيَمْتَنِعُ أَنَّ يَكُونَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ أَزَلِيٌّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الَّذِي هُوَ تَقْدِيرُ إِمْكَانِ الْحَوَادِثِ وَدَوَامِهَا وَامْتِنَاعِ صُدُورِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ.

وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ فَاعِلَ الْعَالَمِ (٤) قَادِرٌ مُخْتَارٌ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُسْلِمِينَ، وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَأَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ أَرِسْطُو (٥) - فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ الْمُبْدِعُ مُرِيدًا لِمَفْعُولَاتِهِ حِينَ فِعْلِهِ لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سُورَةِ النَّحْلِ: ٤٠] .

وَلَا يَكْفِي وُجُودُ إِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمُتَجَدِّدَاتِ بِدُونِ تَجَدُّدِ إِرَادَةِ ذَلِكَ الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ ; لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَلْزَمُ جَوَازُ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ.


(١) ن، م: مَشْهُورَةٌ.
(٢) (٢ - ٢) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(٣) ن، م: هَؤُلَاءِ.
(٤) ن (فَقَطْ) : إِنَّ الْفَاعِلَ الْعَالِمَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(٥) ن، م: أَرِسْطُو.

<<  <  ج: ص:  >  >>