للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْمَدَ لَفْظًا صَرِيحًا بِذَلِكَ، وَلَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ الثَّابِتَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ جِنْسِ النُّقُولِ الثَّابِتَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِمَّا تَقْيِيدُ الرُّؤْيَةِ بِالْقَلْبِ، وَإِمَّا إِطْلَاقُهَا، وَأَمَّا تَقْيِيدُهَا بِالْعَيْنِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَا عَنْ أَحْمَدَ وَلَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَأَمَّا مَنْ سِوَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ اتِّفَاقَ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ» " (١) ، وَهَذَا لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ.

وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كَثِيرًا مِنَ السَّالِكِينَ يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْوَالِ مَا يَصْطَلِمُهُ (٢) ، حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ، أَوْ أَنَّ الْحَقَّ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ، أَوْ أَنَّهُ يَرَى الْحَقَّ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الَّذِي يُشَاهِدُونَهُ وَيُخَاطِبُونَهُ هُوَ الشَّيْطَانُ، وَفِيهِمْ مَنْ يَرَى عَرْشًا عَلَيْهِ نُورٌ، وَيَرَى الْمَلَائِكَةَ


(١) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ٤/٢٢٤٥ (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ ذِكْرِ ابْنِ صَيَّادٍ) . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ: " إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ، أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ". وَقَالَ: " تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ ٣/٣٤٥ (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الدَّجَّالِ) ، وَفِيهِ: " تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَنْ يَرَى. . الْحَدِيثَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
(٢) قَالَ الْقَاشَانِيُّ فِي كِتَابِ " اصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ " (تَحْقِيقُ د. مُحَمَّد كَمَال جَعْفَر، الْهَيْئَةُ الْمِصْرِيَّةُ الْعَامَّةُ لِلْكِتَابِ ١٩٨١) ص ٣٠ " الِاصْطِلَامُ ": هُوَ الْوَلَهُ الْغَالِبُ عَلَى الْقَلْبِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْهَيَمَانِ ". وَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ فِي رِسَالَةِ " اصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ " ص ٢٤٠: " الِاصْطِلَامُ: نَوْعُ وَلَهٍ يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ فَيَسْكُنُ تَحْتَ سُلْطَانِهِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>