للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُبْحَانَهُ، الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَحَبَّتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَخَلَقَ فِيهِمُ الشَّهَوَاتِ لِيَتَنَاوَلُوا بِهَا مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ (١) عَلَى عِبَادَتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْبُدِ اللَّهَ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ هَالِكٌ، وَاللَّهُ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فَيُعْبَدَ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ عَطَّلَ عِبَادَتَهُ فَلَمْ يَعْبُدْهُ الْبَتَّةَ كَفِرْعَوْنَ وَأَمْثَالِهِ؟ ! .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٤٨] ، [وَالتَّعْطِيلُ لَيْسَ دُونَ الشِّرْكِ، بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ، فَالْمُسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَهُوَ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ، فَأُولَئِكَ أَوْلَى (٢) ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِي قَلْبِهِ حُبُّ اللَّهِ] (٣) ، وَلَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ.

وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا مَحَبَّتَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ - وَهُمْ مُؤْمِنُونَ - لَوْ رَجَعُوا إِلَى فِطْرَتِهِمُ الَّتِي فُطِرُوا عَلَيْهَا، وَاعْتَبَرُوا أَحْوَالَ قُلُوبِهِمْ عِنْدَ عِبَادَتِهِ ; لَوَجَدُوا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ مَحَبَّتِهِ مَا لَا يُعَبِّرُ عَنْ قَدْرِهِ، وَهُمْ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ نَظَرًا فِي الْعِلْمِ بِهِ وَبِصِفَاتِهِ وَذِكْرِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ (٤) ، وَإِلَّا فَمَا لَا يُحَبُّ لَا تَحْرِصُ النُّفُوسُ عَلَى ذِكْرِهِ إِلَّا لِتَعَلُّقِ حَاجَتِهَا بِهِ ; وَلِهَذَا يُقَالُ: مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ.

وَالْمُؤْمِنُ يَجِدُ نَفْسَهُ مُحْتَاجَةً إِلَى اللَّهِ فِي تَحْصِيلِ مَطَالِبِهِ، وَيَجِدُ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةَ اللَّهِ غَيْرَ هَذَا، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى اللَّهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ رَبُّهُ، وَمِنْ جِهَةِ


(١) ح: بِهَا.
(٢) وَ: أَعْظَمُ.
(٣) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(٤) وَ: وَذَلِكَ طَرِيقُ مَحَبَّتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>