للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبَبُ الصَّوْتِ يَتَقَدَّمُ وُجُودَ الصَّوْتِ، [وَإِنْ كَانَ وُجُودُ الصَّوْتِ] (١) مُتَّصِلًا بِوُجُودِ الْحَرَكَةِ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَهُ، وَلَيْسَ أَوَّلُ زَمَنِ الْحَرَكَةِ يَكُونُ أَوَّلَ زَمَنِ الصَّوْتِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَرَكَةِ وَالصَّوْتِ يَعْقِبُهَا، وَلِهَذَا يُعْطَفُ الْمُسَبَّبُ عَلَى السَّبَبِ بِحَرْفِ الْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ، فَيُقَالُ: كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ، وَقَطَعْتُهُ فَانْقَطَعَ، وَيُقَالُ: ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فَمَاتَ، أَوْ فَقَتَلْتُهُ، وَأَكَلَ فَشَبَعَ، وَشَرِبَ فَرَوِيَ، وَأَكَلَ حَتَّى شَبَعَ، وَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْكَسْرُ وَالْقَطْعُ فِعْلٌ يَقُومُ بِالْفَاعِلِ مِثْلُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِآلَةٍ مَعَهُ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْأَثَرُ انْكَسَرَ وَانْقَطَعَ، فَأَحَدُهُمَا يَعْقِبُ الْآخَرَ لَا يَكُونُ أَوَّلُ زَمَانِ هَذَا أَوَّلَ زَمَانِ هَذَا وَلَا آخِرُ زَمَانِ هَذَا آخِرَ زَمَانِ هَذَا، بَلْ يَتَقَدَّمُ زَمَانُ السَّبَبِ، وَيَتَأَخَّرُ زَمَانُ الْمُسَبَّبِ.

وَلِهَذَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْمُسَبَّبِ الْمُتَوَلِّدِ عَنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ فِعْلُهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ فِعْلُ الرَّبِّ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْإِنْسَانُ مُشَارِكٌ فِي فِعْلِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِفِعْلِهِ وَبِسَبَبٍ آخَرَ، مِثْلُ خُرُوجِ السَّهْمِ مِنَ الْقَوْسِ، وَمِثْلُ حُصُولِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.

وَلَوْلَا تَقَدُّمُ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ لَمْ يَحْصُلْ هَذَا النِّزَاعُ، فَإِنَّ السَّبَبَ حَاصِلٌ فِي الْعَبْدِ فِي مَحَلِّ قُدْرَتِهِ وَحَرَكَتِهِ، وَالْمُسَبَّبُ حَاصِلٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ قُدْرَتِهِ وَحَرَكَتِهِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَرَكَةُ الْكُمِّ مَعَ حَرَكَةِ الْيَدِ وَحَرَكَةُ آخِرِ الْحَبْلِ مَعَ حَرَكَةِ أَوَّلِهِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.

فَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا فِي الْوُجُودِ مَفْعُولًا يَكُونُ زَمَانُهُ زَمَانَ فَاعِلِهِ بِلَا (٢)


(١) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(٢) أ، ب: لَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>