للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّفْيَ الدَّائِمَ، بَلْ مَا مِنْ ذَنْبٍ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ النَّفْيَ إِلَّا وَيُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِعَادَةَ إِلَى وَطَنِهِ، فَإِنَّ النَّفْيَ إِمَّا مُؤَقَّتٌ، كَنَفِي الزَّانِي الْبِكْرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ سَنَةً، فَهَذَا يُعَادُ بَعْدَ السَّنَةِ، وَإِمَّا نَفْيٌ مُطْلَقٌ، كَنَفِي الْمُخَنَّثِ، فَهَذَا يُنْفَى (١) إِلَى أَنْ يَتُوبَ. وَكَذَلِكَ نَفَى عُمَرُ فِي تَعْزِيرِ الْخَمْرِ.

وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ذَنْبَ الْحَكَمِ الَّذِي نُفِي مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فِي مُدَّةِ بِضْعِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَإِذَا تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ - مَعَ طُولِ هَذِهِ الْمُدَّةِ - جَازَ أَنْ يُعَادَ.

وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَجْرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا خَمْسِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكَلَّمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ.

وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَى صُبَيْغَ بْنَ عَسَلٍ التَّمِيمِيَّ لَمَّا أَظْهَرَ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَضَرَبَهُ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِهَجْرِهِ سَنَةً بَعْدَ أَنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ، فَلَمَّا تَابَ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِكَلَامِهِ (٢) .


(١) ب: فَهَذَا يَبْقَى.
(٢) أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " ص [٠ - ٩] ٠٨ - ١١٠ خَبَرَ صُبَيْغِ بْنِ عَسَلٍ مُفَصَّلًا، وَذَكَرَ خَبَرَهُ مَعَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ أَسْنَدَهَا إِلَى عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، كَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ ٦/٣٨٥ نَقْلًا عَنْ كِتَابِ أَخْبَارِ عُمَرَ لِلْأُسْتَاذَيْنِ عَلِيٍّ وَنَاجِي طَنْطَاوِيِّ ص ٢٢٤ - ٢٢٥ (ط. دِمَشْقَ) ، ١٣٧٩ ١٩٥٩ وَجَاءَ الْخَبَرُ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ ١/٥٤ - ٥٦ (الْمُقَدِّمَةِ، بَابِ مَنْ هَابَ الْفُتْيَا وَكَرِهَ التَّنَطُّعَ وَالتَّبَدُّعَ) ، وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي " صَوْنِ الْمَنْطِقِ " ١/٥٠ - ٥١ وَالْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِهِ الشَّرِيعَةِ ص [٠ - ٩] ٣ - ٧٤ وَانْظُرْ دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ ٧/١٧٢، الِاسْتِقَامَةَ ١/٢٥٨

<<  <  ج: ص:  >  >>