للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْدُثَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا بِفِعْلِ الرَّبِّ لِذَلِكَ وَإِحْدَاثِهِ [لَهُ] (١) ، كَمَا لَا يَحْدُثُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ حَادِثٌ إِلَّا بِخَلْقِ الرَّبِّ لِذَلِكَ وَإِحْدَاثِهِ لَهُ. فَقَوْلُهُمْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّعْطِيلِ الْعَامِّ وَبَيْنَ التَّعْطِيلِ (٢) الْخَاصِّ الَّذِي يَكُونُونَ فِيهِ شَرًّا مِنَ الْقَدَرِيَّةِ (٣) ، وَرَدُّهُمْ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ، وَهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.

وَقَدْ ذُكِرَ (٤) مَا ذَكَرُوهُ مِنْ كَلَامِ أَرِسْطُو فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَبَيَّنَ مَا فِيهِ مِنَ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّ الْقَوْمَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَعْرِفَةِ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى خَيْرٌ مِنْهُمْ بِكَثِيرٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا أَرِسْطُو وَالْقُدَمَاءُ فِي إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْأُولَى هِيَ طَرِيقُ الْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ، وَأَثْبَتُوا عِلَّةً غَائِيَّةً كَمَا ذُكِرَ.

فَلَمَّا رَأَى ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا فِيهَا مِنَ الضَّلَالِ عَدَلُوا إِلَى طَرِيقَةِ الْوُجُودِ وَالْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ، وَسَرَقُوهَا مِنْ طَرِيقِ (٥) الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ احْتَجُّوا بِالْمُحْدَثِ عَلَى الْمُحْدِثِ، فَاحْتَجَّ أُولَئِكَ بِالْمُمْكِنِ عَلَى الْوَاجِبِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ وَاجِبٍ، وَأَمَّا إِثْبَاتُ تَعْيِينِهِ فَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَهُمْ سَلَكُوا (٦)


(١) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(٢) ن، م: الْعَامِّ وَالتَّعْطِيلِ.
(٣) ن، م: الْخَاصِّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَسْوَأَ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ.
(٤) ا، ب: وَقَدْ ذَكَرْنَا.
(٥) ن، م: طُرُقِ.
(٦) ن، م: يَسْلُكُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>