للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّصَارَى يَكْثُرُ فِيهِمُ الْمُفْتَرُونَ لِلْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ، وَالْيَهُودُ يَكْثُرُ فِيهِمُ الْمُكَذِّبُونَ بِالْحَقِّ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْمُكَذِّبَ بِالصِّدْقِ نَوْعًا ثَانِيًا ; لِأَنَّهُ أَوَّلًا لَمْ يَذْكُرْ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ، بَلْ ذَكَرَ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ. وَأَنْتَ إِذَا تَدَبَّرْتَ هَذَا، وَعَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ بِالصِّدْقِ مَذْمُومٌ، وَأَنَّ (١) الْمَدْحَ لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا مَنْ كَانَ آتِيًا بِالصِّدْقِ مُصَدِّقًا لِلصِّدْقِ، عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا مِمَّا هَدَى اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ.

إِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الشَّرِّ - أَوْ أَكْثَرَهُ - يَقَعُ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ (٢) ، فَتَجِدُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، أَوِ الرَّجُلَيْنِ (٣) مِنَ النَّاسِ، لَا يَكْذِبُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ، لَكِنْ لَا يَقْبَلُ مَا تَأْتِي بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَرُبَّمَا (٤) جَمَعَ بَيْنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ بِالصِّدْقِ.

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي عَامَّةِ الطَّوَائِفِ شَيْءٌ مِنْهُ فَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ أَدْخَلَ فِي ذَلِكَ مِنَ الرَّافِضَةِ ; فَإِنَّمَا أَعْظَمُ الطَّوَائِفِ كَذِبًا عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِهِ، وَعَلَى الصَّحَابَةِ (٥) وَعَلَى ذَوِي الْقُرْبَى. وَكَذَلِكَ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ تَكْذِيبًا بِالصِّدْقِ، فَيُكَذِّبُونَ بِالصِّدْقِ الثَّابِتِ الْمَعْلُومِ مِنَ الْمَنْقُولِ الصَّحِيحِ وَالْمَعْقُولِ الصَّرِيحِ.

فَهَذِهِ الْآيَةُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - مَا فِيهَا مِنْ مَدْحٍ فَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى الصَّحَابَةِ الَّذِينَ افْتَرَتْ عَلَيْهِمُ الرَّافِضَةُ وَظَلَمَتْهُمْ، فَإِنَّهُمْ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ،


(١) م: فَإِنَّ.
(٢) م: مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَذَيْنِ.
(٣) س، ب: وَالرَّجُلَيْنِ.
(٤) م: وَرُبَّمَا.
(٥) م: وَعَلَى أَصْحَابِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>